Skip to main content

ليبيا بحاجة إلى وقف نشاط الميليشيات لإنهاء العنف

نُشر في: The Globe and Mail

يمكن للمأساة أن تأتي بتغيير إيجابي. وها قد واتت الحكومة الليبية تلك الفرصة، في أعقاب المصادمات العنيفة التي دارت خلال الأسبوع الماضي بين إحدى الميليشيات وسكان بنغازي وأسفرت عن مقتل 32 فرداً.

يجب على الحكومة أن تستفيد من تلك الحادثة في استنباط خطة واضحة لإصلاح قطاع الأمن وفي تضييق الخناق على الجماعات المسلحة غير الشرعية العديدة في البلاد.

بدأت أحداث العنف يوم 8 يونيو/حزيران حين شرع سكان بنغازي، الغاضبون من تصرفات الميليشيات المتعسفة، في الاحتجاج عند قاعدة تعود لواحدة من أكبر الجماعات المسلحة بالمدينة وتعرف بدرع ليبيا1. وذكر شهود أن النزاع قد أخذ في التصاعد بعدما بدأ المحتجون في إلقاء الأحجار. عندها فتح أفراد الميليشيات النار من الأسلحة ثقيلة العيار والمدافع المضادة للطائرات. وقالت مصادر طبية إن اثنين فقط من القتلى كانا ينتميان لقاعدة درع ليبيا. وقد تدخلت في نهاية الأمر قوات الجيش الخاصة في ظل توجيه حكومي واحتلت القاعدة بعد أن تكبدت خسائر لا تقل عن فردين من بين صفوفها.

لم يكن ذلك الاحتجاج هو المرة الأولي التي يهب فيها الليبيون ضد الميليشيات التي تشكلت لمقاتلة معمر القذافي ثم أبت أن تلقي بسلاحها. ففي أعقاب الهجوم الذي وقع يوم 11 سبتمبر/أيلول 2012 على قنصلية الولايات المتحدة ببنغازي، أجبر حشد غاضب جماعة أنصار الشريعة المشتبهة بتنظيم ذلك الهجوم على هجر قاعدتها، وإن كانت قد عادت إليها لاحقاً. وفي طرابلس، كما هو الحال في أماكن أخرى، طالب المواطنون الحكومة بوضع حد لانتهاكات الميليشيات.

غير أن الأسبوع الماضي سجل للمرة الأولى إطلاق الميليشيات النار على المتظاهرين، مؤدياً لنتائج مميتة. وتضاف تلك الوفيات إلى غيرها من الجرائم التي ارتكبتها بعض الميليشيات عبر الأراضي الليبية والتي تشمل الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، وحالات الوفاة رهن الاحتجاز. وهناك آلاف الأشخاص محتجزين في سجون غير قانونية بل وسرية أحياناً. هذا وقد قام عدد من المسلحين يعتقد أنهم من جماعة درع ليبيا المشتتة يوم السبت الماضي بشن هجمات انتقامية على الجيش والشرطة أدت إلى مقتل ستة من أفراد القوات الخاصة.

لقد أخذت الحكومة الليبية في السير على حبل رفيع. فبعد أن تحدث رئيس الوزراء علي زيدان صراحة عن انتهاكات الميليشيات وهدد بوقف نشاطها. إلا أنه تراجع عن موقفه وأخذ ينعتهم بـ "الثوار"، بعد أن طوقت جماعات مسلحة اثنتين من الوزارات الشهر الماضي.

لقد عملت الحكومة مع بعض الميليشيات، ومنها درع ليبيا، فمنحتها التمويل وكلفتها بمهام رسمية في بعض الأحيان، حيث إن القوات الحكومية لم تزل تعاني ضعفاً. بل إن الميليشيات في بعض الأماكن أشد بأساً من الجيش أو الشرطة.

ولقد أصبحت بعض الميليشيات بمثابة أجهزة شبه رسمية تتعاون مع الحكومة إضافة لكونها تعمل من تلقاء نفسها. وقد لعب بعضها أدواراً بناءة بالقيام بالمهام الشرطية في الأحياء، ومهام حفظ السلام في النزاعات القبلية.

كانت الحكومة تحاجُّ بأن تلك الترتيبات ضرورية خلال المرحلة الانتقالية في ليبيا إذ كانت قوات الأمن التابعة للدولة قد انهارت. إلا أن أعمال العنف في بنغازي خلال الأسبوع الماضي تؤذن بأن أوان التغيير قد حان.

يتطلب القيام بذلك خطة حكومية محكمة. وهنا تشترك الحكومات الأجنبية في تحمل اللوم، وبخاصة حكومات بلدان ككندا التي شاركت في حملة حلف شمال الأطلسي التي أدت لإسقاط القذافي (وأخفقت في إدراك مخاطر انتشار الأسلحة). ويجب التأكيد بدرجة أكبر على: نزع السلاح، تسريح الميليشيات، وإعادة الإدماج، لكي ينعم الليبيون بالأمن مصحوباً بالشفافية والمسائلة.

يعني هذا إعداد حزمة من أعمال التدريب، والتعليم، والقروض التي توفر للشباب الذين حملوا السلاح حافزاً على الانضمام مجدداً للحياة المدنية. لقد بلغ العديد من هؤلاء الشباب سن الرشد أثناء الانتفاضة وهم بحاجة للدعم للعب دور بناء.

ويتعين على الحكومات التي تخطط لتقديم العون أن تنسق جهودها جنباً إلى جنب مع بعثة الأمم المتحدة إلى ليبيا، لتوفير الدعم البرامجي والمستشارين التقنيين القادرين بمضي الوقت على المساعدة في بناء القدرات.

كما أن دمج الميليشيات ضمن صفوف قوات الأمن بحاجة إلى أن يأخذ سبيله للتنفيذ على أساس فردي وذلك عقب التدريب والفحص الدقيق عوضاً عن أن يتم بصورة جماعية. إذ يكمن خطر دمج وحدات بحالتها بهياكلها القيادية مستقلة في أنها قد تشرع في تنفيذ أجنداتها الخاصة، إجرامية أو سياسية كانت، تحت غطاء الدولة.

ويتمثل المسار الخطأ في العفو عن أعضاء الميليشيات الذين ارتكبوا جرائم خطيرة. فعلى الرغم من افتقار السلطات للقدرات اللازمة لتوقيف ومقاضاة كافة مرتكبي الانتهاكات من أعضاء الميليشيات في الوقت الحاضر، إلا أن ذلك يجب ألا يقيهم من المثول للعدالة لكون أعمالهم كانت "بهدف إنجاح الثورة أو حمايتها" مثلما يحاول أحد القوانين الجديدة أن يفعل.  

وهناك حاجة أيضاً لقانون في شأن العدالة الانتقالية كي يساعد ليبيا على التعامل مع جرائم الماضي القاتمة. ويرى المقاتلون المناهضون للقذافى، وهم محقون، ازدواجية في المعايير في إحالة الجرائم الحالية للقضاء في حين أنه لم تتم محاكمة أحد بسبب شنق الطلاب في السبعينيات أو قتل 1200 شخص في سجن "أبو سليم" عام 1996 أو على جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات القذافي أثناء النزاع الذي نشب منذ عامين.       

وفي نهاية الأمر، فإن أولئك الذين يرفضون إلقاء أسلحتهم لأسباب سياسية كانت أو أيديولوجية أو إجرامية ستكون هناك حاجة لتوقيفهم ومقاضاتهم.

ولن يكون من اليسير تحقيق أياً مما ذكرناه في دولة هشة تترنح مما ألم بها من دكتاتورية وحرب. غير أنه إذا كان قد نجم عن إراقة الدماء مؤخراً في بنغازي أي شئ جيد فهو التركيز الليبي والدولي مجدداً على بناء قوات أمنية مدربة وخاضعة للمساءلة ومقيدة بالقانون.

فرِد أبراهامز مستشار خاص لمنظمة هيومن رايتس ووتش تولى العمل البحثي في ليبيا منذ عام 2005 . لمتابعته على تويتر  @fredabrahams.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة