Skip to main content

مصر ـ مشروع القانون الجديد يمثل اعتداء على الجمعيات المستقلة

ينبغي حذف أو تعديل النصوص القمعية

(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن من شأن مشروع قانون الجمعيات الذي عرضه الرئيس المصري على المجلس التشريعي للبلاد في 29 مايو/أيار 2013 أن يسمح للحكومة وأجهزتها الأمنية بتقييد تمويل ونشاط الجمعيات المستقلة على نحو تعسفي إذا تم تبنيه بصياغته الحالية.

رغم بعض التحسينات مقارنة بالمسودات الأخيرة، إلا أن مسودة 29 مايو/أيار، لا تتفق مع التزامات مصر فيما يتعلق بحقوق الإنسان. تعزز هذه المسودة رقابة الحكومة على المنظمات غير الحكومية وتضفي عليها صبغة رسمية، عن طريق تمكين الحكومة من حرمانها من الوصول إلى التمويل المحلي والدولي على السواء. كما أنها تمنح السلطات سلطة تقديرية كاملة في الاعتراض على أنشطة المنظمات المصرية والدولية ومنعها، بما فيها منظمات حقوق الإنسان التي توثق أو تنتقد انتهاك الحكومة للحقوق.

قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يحطم مشروع القانون أي أمل في قدرة الجمعيات المستقلة على العمل بحرية واستقلال بعد الثورة، فمن شأن قانون الجمعيات المصري المقترح أن يطلق للحكومة العنان في قطع التمويل عن الجمعيات التي لا تستريح إليها ووقف أنشطتها. إنه [قانون] يعادي فكرة المجتمع المدني المستقل ذاتها".

استغرقت صياغة مشروع القانون عدة أشهر، فقد تولت الرئاسة صياغة القانون المقدم في البداية من حزب الحرية والعدالة الحاكم، بعد أن ناقش مجلس الشورى، وهو المجلس التشريعي المصري، نسخة أسبق لمدة شهرين دون تبنيها. حضرت هيومن رايتس ووتش جلسة استماع في مجلس الشورى يوم 28 مارس/آذار والتقت بعدها بأعضاء لجنة الصياغة بمجلس الشورى وبمسؤولي الرئاسة لمناقشة القانون في ضوء التزامات مصر كدولة طرف في المعاهدات الدولية المحورية لحقوق الإنسان.

سيناقش مجلس الشورى الآن مسودة الرئاسة، بدون إطار زمني معلن لاعتمادها.

قالت الرئاسة إن المسودة الجديدة المثيرة للجدل تهدف إلى "الحفاظ على التوازن بين انفتاح مصر على العالم... وسيادتها واستقلالها".

ولعل أبرز تحسين في المسودة الراهنة هو أنها لم تعد تشترط إدراج أي تمويل تحصل عليه المنظمات غير الحكومية المصرية والدولية في عداد الأموال العامة. كان من شأن هذا النص إخضاع الجمعيات لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات التابع للدولة، وتعريضها لعقوبات غير متناسبة.

ومع ذلك فما زالت المسودة الجديدة تمنح الحكومة سلطات مفرطة على جمعيات المجتمع المدني، فالمادة 18 تمنح الحكومة سلطة تقديرية مطلقة في الاعتراض على قرارات الجمعيات الداخلية وأنشطتها، ومنع تلك القرارات إذا اعترضت عليها. ويتعين على الجمعيات تقديم تقرير مالي سنوي وكذلك نسخاً من كافة قراراتها الداخلية وتقرير عن النشاط السنوي للسلطات، التي لها حق الاعتراض والأمر بوقف أي نشاط من أنشطة الجمعيات. وإذا لم تمتثل الجمعية خلال 15 يوماً فبوسع الحكومة مقاضاة الجمعية.

والمادة 14 تلزم الجمعيات بإخطار الحكومة مسبقاً في كل مرة ترغب فيها في جمع التبرعات من خلال الحملات المتلفزة أو الحفلات الخيرية أو الحملات البريدية، ومن شأنها تمكين الحكومة من الاعتراض لأي سبب، ومن ثم منع نشاط جمع التبرعات المشروع.

قالت هيومن رايتس ووتش إن أحكام التمويل الأجنبي تقييدية لدرجة استثنائية، فسوف يتم إنشاء لجنة تنسيقية للبت في كافة المسائل المتعلقة بالتمويل الأجنبي والمنظمات الأجنبية. وستحتاج الجمعيات للحصول على إذن من اللجنة التنسيقية قبل أن تستطيع قبول الأموال من الخارج، وربما تغرّم أو تغلق بأمر المحكمة إذا لم تفعل. تضم اللجنة مسؤولين من أربعة وزارات حكومية ومن "جهات معنية" ـ وهي إشارة إلى الأجهزة الأمنية والاستخباراتية ـ وأربعة ممثلين لمنظمات المجتمع المدني.

تتمتع اللجنة بسلطة تقديرية مطلقة في منع الوصول للتمويل الأجنبي، دون أي إلزام بربط الاعتراض بمخالفة محددة، مما يفتح الباب للسلطات كي تقطع الدعم المالي عن أي مشروع تعترض عليه، بحسب هيومن رايتس ووتش. كانت أحكام مشابهة في القانون 84 قد أدت إلى الحرمان التعسفي من الوصول إلى الأموال الأجنبية التي تمثل طوق نجاة لجمعيات حقوق الإنسان المصرية، وكثيراً ما كان الأساس في هذا هو عدم الرغبة في مشروع مقترح يعالج التعذيب أو انتهاك حقوق النساء، كما قالت هيومن رايتس ووتش. لابد أن ترد اللجنة في غضون 30 يوما، وسيكون بمقدور الجمعيات الطعن على قرار الرفض أمام المحاكم، لكن بما أن القانون يمنح اللجنة سلطة تقديرية مطلقة في الاعتراض فمن غير المرجح أن تقوم محكمة بتقييد هذا الحق.

زعم مسؤولو الحكومة المصرية أن إحكام القيود على التمويل الأجنبي ضروري لأسباب أمنية وبسبب المخاوف المزعومة من استغلال تلك الجمعيات في تبييض الأموال. إلا أن البلدان التي تتمتع بمجتمع مدني مزدهر تعالج تلك المخاوف بالقانون الجنائي الطبيعي وقوانين الفساد ومكافحة تبييضالأموال، بحسب هيومن رايتس ووتش.

قالت سارة ليا ويتسن: " لعل رغبة الحكومة المصرية في أن يتسم تمويل المنظمات غير الحكومية بالشفافية هي رغبة مشروعة، لكن عليها أن تخجل من قانون يتيح للحكومة خنق المجتمع المدني عن طريق حظر مصادر التمويل الضرورية على نحو تعسفي. إن هذه المسودة، بدلاً من الموازنة بين الإشراف على المجتمع المدني وتسهيل دعمه، تبدو وكأنها تنظر إلى أي تبرع أجنبي وكأنه تهديد محتمل للأمن القومي".

ويتسم مشروع القانون بقمعية أكبر تجاه المنظمات الدولية مما هو تجاه الجمعيات المحلية، بحسب هيومن رايتس ووتش. فاللجنة التنسيقية تتمتع بسلطة تقديرية مطلقة في رفض أو قبول طلب التسجيل من أية منظمة دولية، دون إبداء أسباب، رغم حق المنظمة في الطعن أمام المحاكم. ومن شأن اللجنة أن تراقب تلك المنظمات، ويشمل هذا أحكاماً تنص على أن لها حق "الاعتراض على أي نشاط" والأمر بوقفه. تقول المسودة أيضاً إن المنظمات الأجنبية ليس لها أن تمارس "الأنشطة التي تمارسها الأحزاب السياسية أو تلك التي تنتهك السيادة الوطنية". لم يتم تعريف هذه الألفاظ، بحسب هيومن رايتس ووتش، مما يعرضها لتفسير السلطات المسئ. في ظل الرئيس المخلوع السابق حسني مبارك، كثيراً ما كانت السلطات تدين تقارير حقوق الإنسان كتهديد لسيادة مصر وتدخل في شؤونها الداخلية.

يشترط القانون الدولي ألا يكون هناك تمييز، بما فيه على أساس الجنسية، فيما يتعلق بحرية الجمعيات في التجمع والعمل.

تابعت هيومن رايتس ووتش عن كثب مختلف مسودات القانون التي ناقشتها لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب. كانت المسودة الأولى لقانون حزب الحرية والعدالة، المقدمة في أبريل/نيسان 2012، أكثر تقدمية إلى حد بعيد حيال المنظمات الدولية، حيث نصت على سبيل المثال على ضرورة تقدمها إلى وزارة الخارجية للتسجيل، دون أي تمييز آخر بينها وبين الجمعيات المصرية في بقية القانون.

قالت سارة ليا ويتسن: "إذا كان الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة يريدان السماح للمنظمات الدولية، بما فيها جمعيات حقوق الإنسان، بمواصلة العمل في مصر، حيث عملت لسنوات، فبيد كل منهما أن يقرر غداً العودة إلى الصياغة السابقة الأكثر عدالة فيما يتعلق بالجمعيات الدولية في مسودتهما".

أجمعت منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية على انتقاد مشروع القانون، وأصدر ملتقى منظمات حقوق الإنسان المستقلة، وهو ائتلاف من أنشط الجمعيات الحقوقية في مصر، تصريحاً مشتركاً يقول إن من شأن القانون المقترح أن "يخنق المجتمع المدني". وفي بيان إخباري بتاريخ 28 مارس/آذار حذر مقررا الأمم المتحدة الخاصين المعنيين بحرية تكوين الجمعيات وبالمدافعين عن حقوق الإنسان من أن مشروع القانون من شأنه "في نهاية المطاف أن يعرقل ممارسة الجمعيات لوظيفتها شديدة الأهمية في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها". وصفت منظمة العفو الدولية القانون بأنه "وحشي" وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي إنه "ضربة للآمال والتطلعات التي أحيتها ’ثورة مصر‘ في 2011".

قالت سارة ليا ويتسن: "إن المدى الذي تذهب إليه الحكومة في السماح لمجتمع مدني صحي وانتقادي بالعمل الحر هو اختبار لأوراق اعتمادها الديمقراطية، وعلى مصر أن تقوم بتمكين جمعيات المجتمع المدني للمساعدة في تخفيف آثار الأزمة الاقتصادية المتفاقمة. إلا أنها بدلاً من هذا تفرض المزيد من الرقابة".

أحكام منتقاة من مشروع القانون الحالي
تنص ديباجة مشروع القانون في المادة الأولى على أن كافة الكيانات المنخرطة في "العمل الأهلي" ملزمة بالتسجيل بموجب هذا القانون الجديد وإلا تعرضت للحل. ويبدو أن هذا النص يرغم الجمعيات القائمة التي تعمل بشكل مشروع كمكاتب محاماة أو عيادات طبية أو شركات مدنية على التسجيل بموجب القانون الجديد.

قيود تعسفية على جمع التبرعات والتمويل الأجنبي للجمعيات المصرية

من شأن المادة 14 أن تقيد جمع التبرعات داخل مصر، حيث أنها تسمح للحكومة بالاعتراض خلال 15 يوماً من إخطارها بأية حملات لجمع التبرعات تجريها جمعيات مصرية على التلفاز أو بالبريد أو بإقامة الفعاليات. لا يقرر القانون الأساس الذي يمكن للحكومة الاعتراض بناءً عليه، مما يمنحها سلطة تقديرية مطلقة بالتدخل ووقف أنشطة جمع التبرعات المشروعة أو انتقاء الجمعيات التي تفضلها للسماح لها بجمع الأموال. يحق للجمعية الطعن على الرفض أمام المحاكم، الملزمة بالحكم خلال 30 يوماً.

ويوضح قسم العقوبات في مسودة القانون دون مجال للبس أنه لن يسمح لأية جمعية بتلقي أموال أجنبية بغير إذن اللجنة التنسيقية.

يتسم مشروع القانون بالتقييد الشديد فيما يتعلق بالتمويل، وينص على عقوبات قاسية على أية مخالفة. فالمادة 70(3)(2) تنص على غرامة تتراوح بين 20 ألف و100 ألف جنيها مصرياً (2864-14322دولارا أمريكياً) على أي رئيس أو عضو في جمعية خاضعة لهذا القانون يتلقى أموالاً من الخارج أو يرسلها إلى الخارج بغير إذن اللجنة.

تسمح المادة 72 للمحاكم، في حالة القضايا المنطوية على تلقي الأموال أو التبرعات بالمخالفة لأحكام هذا القانون، أن تأمر بوقف الأنشطة، وتعليق عضوية أعضاء بعينهم في الجمعية، وتعليق أنشطة الجمعية لفترة محددة، وفي النهاية بحل الجمعية ومصادرة أصولها.

تنظم المادة 63 كيفية الحصول على الترخيص بتلقي التمويل الأجنبي من خارج مصر.

تقرر المادة 63 أن على الجمعيات المصرية الراغبة في تلقي تمويلا أجنبيا أن تتقدم طلب إذن بذلك من اللجنة التنسيقية. وتعتبر اللجنة موافقة إذا أخفقت في الرد خلال 30 يوماً. تترك المادة تحديد إجراءات الحصول على "رخصة بالتمويل" للوائح التنفيذية، وتقرر أن رسوم هذه الرخصة لا يجب أن تزيد على 1000 جنيه مصري.

تنص المادة 13 على أن ضرورة قيام الجمعيات التي تسعى للحصول على تمويل أجنبي من المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي ليس لها مقر بمصر، أو الأجانب غير المقيمين بمصر، بإخطار اللجنة إذا رغبوا في تلقي الأموال. وإذا لم تتلق الجمعية رداً في خلال شهر، أو إذا رفضت اللجنة طلبها، سيكون لها أن تطعن أمام المحاكم، الملزمة بالحكم في خلال 15 يوماً.

ولا تضع المادتان 13 و63 أية قيود على سلطة اللجنة التنسيقية التقديرية في حظر الأموال الواردة، دون اي إلزام بأن يكون اعتراضها متعلقاً بمخالفة القانون. للحكومة أن تعترض على أشكال بعينها من النشاط، مثل رصد حقوق الإنسان، تستتبع انتقاد الحكومة، ويمكنها توريط الجمعيات في إجراءات تقاضي مكلفة ومضيعة للوقت لعرقلة عملها.

يبدو أيضاً أن الإلزام بإخطار الحكومة بأية حملة لجمع التبرعات وبكل أموال أجنبية يتم تلقيها ينطوي على أعباء غير متناسبة، تقع على عاتق المنظمات الصغيرة بوجه خاص، حيث أنها ملزمة في كافة الأحوال بتقديم حسابات سنوية.

ولعل للحكومات مصلحة مشروعة في ضمان إدارة الجمعيات لحساباتها بشفافية، لكن الحكومات لا ينبغي لها منح أجهزتها الأمنية سلطة تقديرية مطلقة في رفض التمويل حيث أن هذا يسمح لها في نهاية المطاف بقطعه عن أي نشاط تعتبره مثيراً للجدل في مجال حقوق الإنسان، بحسب هيومن رايتس ووتش. إن حرية الحصول على التمويل ضمانة من ضمانات الاستقلال.

في عهد مبارك، كانت المراقبة الأمنية لكافة جمعيات حقوق الإنسان تعني تردد مجتمع الأعمال المصري في تمويل ما كان يعتبره جمعيات مثيرة للجدل، ومن هنا كان التمويل الأجنبي طوق نجاة لجمعيات حقوق الإنسان. ومنذ انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011، قامت الأجهزة الأمنية بحرمان بعض الجمعيات المسجلة قانوناً، مثل مؤسسة المرأة الجديدة، من بعض الأموال الواردة، وبينها أموال واردة من متبرعين طويلي الأجل، دون إبداء أي أسباب. قالت مؤسسة المرأة الجديدة لـ هيومن رايتس ووتش إنها اضطرت لتخفيض عمالتها نتيجة الانخفاض الحاد في دخلها.

تنص المادة 13 من إعلان الأمم المتحدة بشأن المدافعين عن حقوق الإنسان، الذي تبنته الجمعية العامة بالإجماع في 1998، على ضرورة أن تضمن البلدان "لكل إنسان، بمفرده وبالاشتراك مع غيره، الحق في التماس وتلقي واستخدام موارد يكون الغرض منها صراحة هو تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية". كما صرح مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بوضع المدافعين عن حقوق الإنسان بأن هذا يشمل الحق في التماس التمويل الأجنبي، وبأن "على الحكومات إتاحة وصول المدافعين عن حقوق الإنسان، وبالأخص المنظمات غير الحكومية، إلى التمويل الأجنبي كجزء من التعاون الدولي، الذي يتمتع المجتمع المدني بالحق فيه على قدم المساواة مع الحكومات".

تدخل الحكومة في الإدارة الداخلية
يسمح مشروع القانون للحكومة بالاعتراض على أنشطة أو قرارات داخلية بعينها للجمعيات المصرية. ومن شأن المادة 18 أن تلزم الجمعية بتقديم نسخة من حساباتها السنوية، ومن كل قرارات جمعيتها العامة ومجلس إدارتها، وتقرير بأنشطتها، للحكومة. كما تنص بعد هذا على أن الحكومة إذا "كان لها اعتراض على أي من تلك القرارات خاطبت الجمعية بذلك خلال 15 يوماً من تاريخ تسلمها القرارات". وإن لم تجب الجمعية على تلك الاعتراضات خلال 15 يوماً، رفعت الحكومة الأمر إلى المحكمة المختصة.

لا يرد بنص المسودة أي سبيل لتقييد الأساس الذي يمكن للحكومة بموجبه الاعتراض على القرارات الداخلية لمجلس إدارة الجمعية أو جمعيتها العامة، مما يسمح للحكومة باضطرار الجمعية للدخول في إجراءات قضائية مضيعة للوقت وقد تكون باهظة التكاليف وغير مضمونة النتائج. وبحسب المقرر الخاص للأمم المتحدة، "لا ينبغي أن يكون للسلطات الحق في: فرض الشروط على أية قرارات أو أنشطة للجمعية... أو طلب سحب أي قرار داخلي"، وهذا ضمن تصرفات تدخلية غير مشروعة أخرى.

ينص مشروع القانون أيضاً على اشتراطات مبالغ فيها للإدارة الداخلية، ترقى إلى مصاف التدخل الحكومي بحسب هيومن رايتس ووتش، فالمادة 25 تقرر أن يكون لكل جمعية "جمعية عامة" مكونة من كل شخص مر على عضويته أكثر من 3 شهور. وتقرر المادة 26 أن للجمعية العامة الدعوة للاجتماع بناءً على دعوة من مجلس الإدارة أو ربع أعضاء المنظمة. ينبغي لتحديد تفاصيل الهيكل الإداري الداخلي أن يقوم على أساس اختيارات أعضاء الجمعية، وليس بالإملاء من السلطات، بحسب هيومن رايتس ووتش.

قيود صارمة على عمل الجمعيات الدولية
يتسم مشروع القانون بنزعة تقييدية بوجه خاص فيما يتعلق بدور المنظمات الدولية في مصر، فتقول المادة 57 من مسودة القانون إن الجمعيات الدولية ملزمة بالتقدم بطلب التسجيل إلى اللجنة التنسيقية. وكانت المسودات الأسبق تنص على ضم جهاز المخابرات المصرية العامة للجنة، إلا أن المسودة الأخيرة تترك لرئيس الوزراء تعيين ممثلين من أربعة وزارات حكومية و"جهات معنية"، في إشارة واضحة إلى الأجهزة الأمنية. ولا يرد بالمسودة قيود على سلطة اللجنة التقديرية في رفض طلب التسجيل. تقرر المادة 53 أيضاً أن لتلك الجمعيات الطعن على قرار الرفض أمام المحكمة الإدارية.

ومن شأن مشروع القانون أن يسمح للجنة التنسيقية بمنع الأنشطة المشروعة للمنظمات الأجنبية على نحو تعسفي بمنحها حقاً غير مقيد في الاعتراض على الأنشطة. تقرر المادة 62 أن المنظمات الأجنبية تخضع لإشراف اللجنة، وأن للجنة "الاعتراض على أي من الأنشطة أو مسار التمويل" المقدمة من المنظمات الأجنبية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن من شأن المسودة أن تمنح الحكومة، والأجهزة الأمنية في واقع الأمر، سلطة إيقاف أو تقييد أعمال الجمعية كما يتراءى لها، في انتهاك لحق غير المواطنين في حرية تكوين الجمعيات، المكفول لهم على أساس غير تقديري بموجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ومن شأن نصوص أخرى أن تضع المزيد من القيود على أنشطة الجمعيات الأجنبية باستخدام مصطلحات غامضة مفتوحة للتأويل المسيء، فالمادة 59 تقول إن على أنشطتها ألا تكون من "الأنشطة الحزبية التي تقوم بها الأحزاب السياسية أو تخل بالسيادة الوطنية". وتحظر المادة 60 على الجمعيات الأجنبية استخدام مواردها، كما تحظر عليها المادة 61 استخدام مقارها، لأغراض غير مصرح بها. لكن القانون لا يتطرق إلى تعريف الأغراض المشروعة، ولا عدد الأغراض التي يمكن للمنظمة الأجنبية تحديدها في اللوائح التنفيذية، والتي جرى العرف في مصر على أن تفرض المزيد من القيود.

ينص القانون أيضاً في المادة 12 على ألا يحق للجمعيات المصرية إجراء أنشطة بالتعاون مع منظمات أجنبية إلا بعد إخطار اللجنة التنسيقية.

تطور مشروع القانون
في عهد مبارك كانت السلطات تستخدم القانون 84 لسنة 2002 الخاص بالجمعيات على نحو تعسفي لمنع جمعيات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات التي تنتقد سياسات الحكومة من التسجيل ومن تلقي المنح من المؤسسات والحكومات الأجنبية.

في بيان صحفي بتاريخ 24 مارس/آذار صرحت الرئاسة:

للأسف الشديد، فإن عمل المجتمع المدني قبل ثورة 25 يناير، كان محدوداً نظراً للممارسات السلطوية، وأيضاً لغياب بيئة تشريعية مساعدة علي عمله. ولكن في مصر الجديدة، نحن مصممون علي ضمان تمكين المجتمع المدني، من أجل لعب دور قوي في تنمية مصر، وإن هدفنا الأساسي هو تسهيل وليس تحجيم عمل مؤسسات المجتمع المدني حتي يمكنهم العمل بحرية داخل حدود القانون.

مع انعقاد البرلمان المنتخب حديثاً في يناير/كانون الثاني 2012، بدأت لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب في مناقشة مختلف مسودات القانون. كانت المسودات المقدمة تشمل مسودة مشتركة من عدة جمعيات غير حكومية مصرية تهدف إلى دعم حماية حرية تكوين الجمعيات، ومسودة من وزارة الشؤون الاجتماعية كان من شأنها انتهاك الحق الأساسي في حرية تكوين الجمعيات، من حيث أنها تعكس رؤية المؤسسة الأمنية. قدم حزب الحرية والعدالة مسودة في أبريل/نيسان 2012 وبدأت اللجنة في العمل عليها.

إلا أن مشروع القانون الذي تجري مناقشته في مجلس الشورى، والمقدم في 24 مارس/آذار 2013، يمثل نكوصا خطيراً من حيث حماية الحقوق مقارنة بمسودة أبريل/نيسان 2012، كما قالت هيومن رايتس ووتش. فقد تم في المسودة الجديدة إبدال الأحكام المتعلقة بالتمويل الأجنبي والمنظمات الأجنبية في مسودة أبريل/نيسان 2012 بأحكام أشد تقييداً من مسودات وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية.

عقدت لجنة الشورى المسؤولة عن صياغة القانون، لجنة التنمية البشرية والإدارة المحلية التي يرأسها الدكتور عبد العظيم محمود من حزب النور، عقدت 15 جلسة استماع على الأقل بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان وتمت دعوة جمعيات منتقاة إليها. استشهدت وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية بقول عبد العظيم في 30 مارس/آذار إن "القانون لن يعرض على الجلسة العامة إلا بعد التوافق على مواده والاستماع إلى جميع الآراء". ومع ذلك ففي أبريل/نيسان تولت الرئاسة صياغة القانون وأعلنت في 28 مايو/أيار أنها انتهت من المسودة وسوف تعرضها على مجلس الشورى في اليوم التالي.

مبادرات إصلاح القانون فيما بعد يناير/كانون الثاني 2011
استعانت حكومات مبارك بتركيبة معقدة من القوانين والمراسيم المتداخلة وسلطات الطواريء لخنق حرية تكوين الجمعيات. في تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر عام 2005 بعنوان "هوامش القمع"، وثقت المنظمة كيف كانت وزارة الداخلية تراجع طلبات التسجيل المقدمة من جمعيات حقوق الإنسان وترفضها على نحو روتيني، رغم أن القانون لا يعطيها أي دور في عملية التسجيل، وكيف كان جهاز مباحث أمن الدولة يتحرى عن قادة الجمعيات الحقوقية، علاوة على أنشطتها وتمويلها، دون أي سلطة قانونية.

لقد ظلت الجمعيات الحقوقية المصرية والدولية لسنوات تنتقد قانون الجمعيات لسنة 2002، وفي أعقاب يناير/كانون الثاني 2011، كان تعديله على رأس الأولويات الإصلاحية التي تطالب بها جمعيات حقوق الإنسان. في يونيو/حزيران 2011، التقت هيومن رايتس ووتش عصام شرف رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وعبد العزيز الجندي وزير العدل آنذاك. وأقر الاثنان بحاجة الحكومة إلى تعديل قانون الجمعيات بحيث يلبي المعايير الدولية، إلى جانب الإصلاحات المتعلقة بقانون الأحزاب السياسية والنقابات المهنية. قال الجندي لـ هيومن رايتس ووتش إن الحكومة تنوي تعديل القانون إلا أنه يتطلب عملية تشاور واسعة وليس ضمن أولوياته التشريعية. ولم تجر محاولة لاحقة للشروع في عملية تعديل القانون.

بدلاً من هذا، بادرت الحكومة في يوليو/تموز 2011، بقيادة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي آنذاك، إلى التحقيق مع الجمعيات غير المسجلة بموجب القانون 84 لعام 2002، والذي رفضت حكومات مبارك بمقتضاه تسجيل العديد من تلك المنظمات. وأعقب هذا مداهمات شرطية وعسكرية لمقار جمعيات مصرية وأمريكية في ديسمبر/كانون الأول 2011، وملاحقة الموظفين المصريين والأجانب العاملين في أربعة جمعيات أمريكية.

بدأت محاكمة الـ43 موظفاً في تلك الجمعيات في مارس/آذار 2012، وتمكن كافة الموظفين الأجانب تقريباً من مغادرة البلاد في فبراير/شباط 2012 بعد تصعيد الضغوط الأمريكية والتهديد بوضع شروط للمساعدات العسكرية الأمريكية لمصر. ومع ذلك فما زال 13 مصرياً واثنان من الموظفين الأجانب في هذه الجمعيات على ذمة المحاكمة، وينتظر صدور الحكم في 4 يونيو/حزيران.

التزامات مصر الدولية
مصر ملزمة باحترام حرية تكوين الجمعيات وكفالتها، كما تبينها المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 10 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. وليس لمصر أن تقيد هذا الحق إلا من خلال تنظيمات "ينص عليها القانون وتعد ضرورية في مجتمع ديمقراطي". وينبغي لأي قيد أن ينشأ استجابة لحاجة عامة ملحة وأن يعكس قيم التعددية والتسامح الديمقراطية الأساسية. كما ينبغي أن تكون القيود "الضرورية" متناسبة ـ بمعنى أن توزن بعناية في مقابل السبب المحدد لفرضها وألا تكون تمييزية، بما في ذلك على أساس الأصل القومي أو الرأي أو العقيدة السياسية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن هذه المسودة، بحالتها الراهنة، لا تلبي التزامات مصر بحماية حرية تكوين الجمعيات وكفالتها.

في فبراير/شباط 2010، خضعت مصر لأول مراجعة دورية شاملة أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وقبلت حكومة مبارك وقتذاك أربعة توصيات بإصلاح القانون 84/2002، بما فيها توصية بـ"مراجعة الإجراءات الحاكمة لتسجيل منظمات المجتمع المدني لضمان إجراءات شفافة وغير تمييزية وسريعة وفي المتناول من حيث التكلفة، تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان". ستواجه مصر المراجعة الدورية الشاملة الثانية في منتصف 2014.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.