Skip to main content

العراق ـ طفرة في تنفيذ أحكام الإعدام يقابلها عزوف عن الإصلاح

وعود بتحسين منظومة العدالة تعقبها موجة إعدامات قضائية

(بغداد) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الزيادة الملفتة في عمليات الإعدام في العراق تُبرز فشل منظومة العدالة العراقية في الوفاء بالمعايير الدولية المتعلقة بالمحاكمة العادلة. وجاءت موجة تنفيذ عمليات الإعدام بإجراءات قضائية بعد فترة وجيزة من اعتراف الحكومة بوجود حاجة ماسة إلى إدخال إصلاحات على المنظومة القضائية.

وكان حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء، قد أعلن عن سلسلة من الإصلاحات منذ يناير/كانون الثاني 2013 كردّ على احتجاجات واسعة النطاق طالب فيها المتظاهرون بإصلاح منظومة العدالة، ولكن يبقى من غير الواضح ما إذا كان أي من هذه الإصلاحات قد تم تنفيذها. وبدل العمل على تنفيذ الإصلاحات، أعلن وزير العدل حسن الشمري في منتصف مارس/آذار أن الوزارة سوف تقوم بإعدام 150 شخصًا في الأيام المقبلة. وتم إعدام ما لا يقل عن 50 شخصًا الشهر الماضي.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "يبدو أن الحكومة تعتقد أن أفضل طريقة لمواجهة تصاعد العنف والإرهاب الذي عانى منه العراق منذ بداية السنة تتمثل في مزيد من القتل والظلم على يد الدولة. ومع ارتفاع وتيرة الهجمات وعمليات الإعدام بشكل متزامن، يُصبح من الواضح أن هذه التكتيكات العنيفة غير مجدية". في فبراير/شباط ومارس/آذار، تحدثت هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل إلى عديد المعتقلين الذين أبرزت تصريحاتهم أنه لم يتم بعد تنفيذ الإصلاحات. وقدم هؤلاء أمثلة مفصلة عن الانتهاكات، بما في ذلك اعتقال الأشخاص بدون إذن قضائي، واحتجازهم لفترات طويلة دون عرضهم على قاض، ولجوء قوات الأمن للتعذيب وانتهاكات أخرى أثناء الاستجواب.

وفي عديد الحالات، قال أشخاص محتجزون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم أدينوا بتهم متعلقة بالإرهاب بالاعتماد فقط على شهادات أدلى بها مخبرون سريون إلى المحاكم، دون أن يتمكنوا من مواجهتهم. وأكد محامو الدفاع ووثائق المحكمة في عديد المرات مزاعم الأشخاص المحتجزين.  

في اجتماع مع هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط، قال الشهرستاني، الذي عينه رئيس الوزراء نوري المالكي على رأس لجنة وزارية لتنفيذ إصلاحات منظومة القضاء الجنائي، إن ما لا يقل عن ستة آلاف شخص من بين الـ 13 ألف شخص الذين تم اعتقالهم عملا بالمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب مازالوا ينتظرون المحاكمة أو الإفراج عنهم، بما في ذلك "أشخاص ينتظرون ذلك منذ سنوات". 

كما اعترف بوجود "مشاكل متعلقة بالأوامر القضائية"، وأن ضباط الشرطة في عديد الأحيان لم ينتظروا صدور أوامر اعتقال ولم ينفذوا أوامر قضائية بإطلاق السراح. ويمنع قانون العقوبات العراقي تنفيذ اعتقالات دون إذن قضائي إلا إذا كان الشخص المعتقل واجه بشكل مسلح ومباشر أحد عناصر الأمن، ولكن الشهرستاني اعترف أن قوات الأمن كثيرًا ما تنفذ اعتقالات جماعية دون الحصول على إذن قضائي.

كما قال الشهرستاني: "أعرف كيف يجب أن تكون الأمور. إذا لم يتقيد بعض الأشخاص بالقانون، فيجب توجيه تهم إليهم بانتهاك حقوق الآخرين".

وفي تصريحات حديثة، حاول وزيرا العدل وحقوق الإنسان تبرير عمليات الإعدام، ودفعوا بأن من تم إعدامهم كانوا "إرهابيين". لكن توجد أدلة مهمة على أن قوات الأمن استخدمت قانون مكافحة الإرهاب للعام 2005 لارتكاب انتهاكات خطيرة في حق المحتجزين بشكل قانوني دون أن تتم معاقبتهم.

وقد دفعت تصريحات وزيري العدل والحقوق الإنسان، إلى جانب الارتفاع الملحوظ في عمليات الإعدام قبل انتخابات المحافظات، دفعت بعض النشطاء وأعضاء في البرلمان إلى القول بأن السلطات العراقية ربما كانت تستخدم عمليات الإعدام كأداة سياسية لإبراز قدرتها على مواجهة الإرهاب بحزم.

وقالت سارة ليا ويتسن: "تنم تصريحات وزيري العدل وحقوق الإنسان عن حالة من اللامبالاة القاسية تجاه المزاعم المتعلقة بوجود انتهاكات في منظومة القضاء الجنائي. ولو أن المسؤولين العراقيين سخروا نفس هذا القدر من الطاقة الذي يضيعونه على خطاباتهم العدوانية لمصلحة معالجة شكايات مواطنيهم، فربما يساهمون في تخفيف الأزمة القضائية القائمة ويُساعدون على وقف الهجمات على المدنيين الأبرياء".

ونادرًا ما يقدم وزير العدل معلومات حول عمليات الإعدام قبل تنفيذها، ولا عن هويات الأشخاص الذين تم إعدامهم، ولا عن التهم الموجهة إليهم أو الأدلة المستعملة ضدهم أثناء المحاكمة. وقال أحد موظفي وزارة العدل لـ هيومن رايتس ووتش إن قرارات الإعدام المتعلقة بالأشخاص المحكوم عليهم تصدر مباشرة من مكتب رئيس الوزراء إلى المراكز السجنية.

و أعلنت السلطات العراقية عن إعدام أربعة سجناء في 11 أبريل/نيسان، وسبعة آخرين في 7 أبريل/نيسان. وفي 17 أبريل/نيسان، أعلنت وزارة العدل أنها أعدمت 21 "إرهابيا ينتمون إلى تنظيم القاعدة"، ولكنها وكما جرت العادة في الاعلان عن عمليات الإعدام، لم تُفصح عن هويات الأشخاص الذين نُفذ في حقهم الإعدام، أو عن الوقت الذي تمت فيه محاكمتهم، أو أي معطيات أخرى بشأنهم. وقالت الوزارة إنهم كانوا "إرهابيين"، وتمت إدانتهم عملا بالمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 للعام 2005، وإنهم شاركوا في تنفيذ اغتيالات وتفجيرات وهجمات إرهابية أخرى. 

وجاءت عمليات الإعدام الأخيرة عقب تصاعد ملحوظ في استعمال عقوبة الإعدام السنة الماضية. وفي 2012، قام العراق بإعدام 129 شخصًا، وهو ما يُعتبر ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بسنة 2011 حيث تم إعدام 62 شخصًا فقط. ورغم انتشار احتجاجات واسعة ضدّ عمليات الإعدام الأخيرة، قالت الحكومة إنها ستواصل تنفيذها.

وفي 18 مارس/آذار، بعد يوم من الاعتداء الدموي على وزارة العدل، أعلن الشهرستاني أن الحكومة "ستواصل إعدام مجرمي تنظيم القاعدة" وأنه سيُشرف بنفسه على الإسراع في تنفيذ عمليات الإعدام. وبعد تصاعد الإدانة الدولية لمواصلة تنفيذ عمليات الإعدام، قال محمد شياع السوداني، وزير حقوق الإنسان لوسائل إعلام محلية في 18 أبريل/نيسان إنها "ضرورية لحماية حق المواطنين"، وقال إن الحكومة سوف تواصل تنفيذ عقوبات الإعدام إلى أن "ينتهي العنف في العراق".

وقالت سارة ليا ويتسن: "إذا كان المسؤولون يعتقدون أن تنفيذ عمليات الإعدام هي طريقة فعالة للتصدي للهجمات الإرهابية، فلماذا كل هذه السرية التي تحيط بها، وخاصة في ما يتعلق بهويات الأشخاص الذين يتم إعدامهم والتهم الموجهة إليهم والأدلة المستعملة ضدهم. أما في ما يتعلق بمواجهة الأدلة الدامغة على فشل منظومة القضاء الجنائي في حماية المواطنين بشكل فعال من انتهاكات موظفي الدولة، وخاصة في القضايا المتعلقة بالإرهاب، فان إصرار الدولة على مواصلة إعدام مساجين تم الحكم عليهم في منظومة دعت الدولة إلى إصلاحها هو أمر مُستهجن".

وينص القانون الدولي لحقوق الإنسان على أن تصدر عقوبة الإعدام، في البلدان التي لم تلغ فيها هذه العقوبة، فقط في أكثر القضايا خطورة وبعد التقيد الصارم بالمعايير الدولية للمحاكمة العادلة، بما في ذلك حقوق المتهمين في الحصول على مساعدة قانونية من جهة مختصة، وافتراض البراءة حتى تثبت الإدانة، وعدم الإكراه على الاعتراف بالذنب. وقالت هيومن رايتس ووتش إن القوانين المتعلقة بالمحاكمات التي تصدر فيها عقوبة الإعدام في العراق تنتهك أبسط الضمانات المذكورة.

تعارض هيومن رايتس ووتش عقوبة الإعدام في جميع البلدان وفي كل الحالات، نظراً لأن الكرامة المنوطة بكل الأفراد لا تستقيم مع عقوبة الإعدام. هذا الشكل من أشكال العقوبات فريد من نوعه من حيث قسوته وكونه نهائيا لا رجعة فيه، وهو وبشكل حتمي وفي كل الحالات مشوب باحتمالات التعسف والتحيز والخطأ.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة العراقية إعلان وقف فوري لتنفيذ جميع أحكام الإعدام الصادرة، وأن تشرع علنا في فرض تجميدعلى استخدام هذه العقوبة، وأن تتخذ خطوات لإلغاء عقوبة الإعدام والتصديق على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. كما يتعين على العراق فتح تحقيق شامل ومحايد في عمليات الإعدام.

مزاعم الحكومة المتعلقة بالصلاح
في ديسمبر/كانون الأول 2012، شارك آلاف العراقيين في مظاهرات مطالبة بإصلاح قانون مكافحة الإرهاب، وإطلاق سراح الأشخاص المحتجزين بشكل غير قانوني.

وتُعرّف المادة 4 من قانون سنة 2005 المجرمين على أنهم "كل من ارتكب... أيا من الأعمال الإرهابية"، أو "المحرض والمخطط والممول وكل من مكن الإرهابيين من القيام بالجرائم". وقالت هيومن رايتس ووتش إن المسؤولين استخدموا هذه الأحكام القانونية للحصول على إدانات مبنية على اعترافات تم انتزاعها بالقوة وشهادات أدلى بها مخبرون سريون لم يتمكن المتهمون من مواجهتهم، عوض الاعتماد على أدلة موضوعية. وينص القانون على فرض عقوبة الإعدام على كل شخص تتم إدانته عملا بالمادة 4.

وعبرت هيومن رايتس ووتش في مناسبات عديدة عن مخاوفها من أن تسمح هذه الأحكام القانونية الغامضة للسلطات العراقية بفرض عقوبة الإعدام بشكل تعسفي وذلك بإدراج الاحتجاجات السياسية السلمية في نطاق "الإرهاب".

ويفرض القانون العراقي عقوبة الإعدام على 48 جريمة، بما في ذلك قانون مكافحة الاتجار بالبشر الذي صدر في 2011، وعديد القوانين الأخرى التي تندرج ضمن المعيار الدولي الذي يحدّ عقوبة الإعدام، في البلدان التي أبقت عليها، إلى "أكثر الجرائم خطورة". ولكن أغلب عمليات الإعدام التي تم الكشف عن التهمة الجنائية التي تسببت فيها تمت عملا بالمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب.

في يناير/كانون الثاني، أعلن رئيس الوزراء نوري المالكي أنه أنشأ لجان مختصة للإشراف على إطلاق سراح آلاف المساجين وأمر بسلسلة من الإصلاحات. وتعهد المسؤولون الحكوميون الذين يترأسون هذه اللجان بأن يتم عرض الأشخاص المحتجزين على قضاة التحقيق في أجل أقصاه 24 ساعة من تاريخ الاحتجاز، وبأن الحكومة ستكف عن استخدام شهادات المخبرين السريين كمصدر وحيد لإدانة الأشخاص. كما قالوا إنه سيتم نقل المحتجزات الإناث إلى محافظاتهن لقضاء عقوباتهن هناك. 

ولكن يبقى من غير الواضح ما إذا تم تنفيذ أي من الوعود التي تم قطعها. وقال مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى لـ هيومن رايتس ووتش في مقابلات أجريت معهم في فبراير/شباط إن الحكومة كانت بصدد تطبيق وقف لتنفيذ عقوبة الإعدام إلى أن تتم مراجعة أحكام الإعدام بشكل كاف، ولكن لم يتم الإعلان عن هذه الخطوة للعموم.

وقالت الحكومة إن الهدف من هذه التغييرات هو معالجة الشكاوى المتكررة، وأغلبها من متظاهرين في أماكن ذات أغلبية سُنية، بأن الإدانات، وخاصة تلك التي تخص أشخاصًا يواجهون تهمًا عملا بالمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، اعتمدت فقط على شهادات قدمها مخبرون سريون أو تم انتزاعها تحت التعذيب أو المعاملة السيئة. وفي 7 أبريل/نيسان، أعلن مجلس الوزراء أنه وافق على إدخال تعديلات أولية على القوانين المتعلقة باستخدام المخبرين السريين، دون أن يُفصح عن أي تفاصيل حول التغييرات الحاصلة أو تأثيرها على محاكمات المتهمين. 

وأثناء اجتماعه مع هيومن رايتس ووتش في فبراير/شباط، قال الشهرستاني إنه لم يعد ممكنًا للمحاكم قبول شهادات المخبرين السريين دون أن يكون ذلك مدعومًا بأدلة. وفي 4 أبريل/نيسان، قالت تقارير إعلامية إن قوات الأمن مازالت تستخدم المخبرين السريين للقيام باعتقالات جديدة.

في 2012، قامت هيومن رايتس ووتش بتوثيق قيام قوات الأمن بإجراء استجوابات مسيئة في مراكز الاحتجاز خارج سلطة منظومة العدالة للحصول على اعترافات تحت الإكراه ليتم استخدامها كأدلة أساسية لإدانة المتهمين. ولأن الارتفاع الحاصل في عمليات الإعدام صار معلومًا للجميع، قال محتجزون وعائلاتهم لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن تهدد المعتقلين، بأنهم إذا رفضوا الاعتراف بجرائم أو دفع رشاوى، أو إذا تحدثوا بشكل علني عن الانتهاكات، فإنهم سـ"يضمنوا" لهم أن يكونوا ضمن المحكوم عليهم بالإعدام.

رد الفعل الدولي

في 19 أبريل/نيسان، أدانت نافي بيلاي، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، موجة عمليات الإعدام الأخيرة، ووصفت المنظومة القضائية في العراق بأنها "معيبة بدرجة خطيرة لأن تسمح ولو بقدر محدود بتطبيق عقوبة الإعدام، ناهيك عن عشرات الإعدامات في نفس الوقت". كما قالت إنها "مصدومة" من تصريحات وزارة العدل بأنها خططت لإعدام 150 سجينًا آخرين في الأيام القادمة، وشبهت عمليات الإعدام الجماعية في العراق بـ "ذبح الحيوانات في المسلخ".

وقال المتحدث باسم نافي بيلاي إنه يُعتقد أنه يوجد 1400 شخص محكوم عليهم بالإعدام في العراق في الوقت الحالي، ولكن مصادر أخرى في وزارة العدل ومقربة من رئيس الوزراء قالت إن العدد الحقيقي ربما يكون أعلى من ذلك بكثير. وفي مارس/آذار، قامت هيومن رايتس ووتش بزيارة 38 امرأة بانتظار تنفيذ عقوبة الإعدام.

وفي 22 أبريل/نيسان، أصدر سفراء الاتحاد الأوروبي في بغداد بيانًا عبروا فيه عن فزعهم من أنه رغم أن الحكومة العراقية أعربت عن نيتها "مراجعة الأحكام الصادرة في حق عديد المساجين المدانين... فقد استمر تنفيذ عمليات الإعدام" رغم "الاعتماد المبالغ فيه على الاعترافات لضمان الإدانات، و... وجود أدلة على أنه يتم أحيانًا انتزاع تلك الاعترافات تحت الإكراه".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة