Skip to main content

غزة – أعمال قتل "المتخابرين" تمر بلا عقاب

تعذيب ومحاكمات جائرة ثم الرمي بالرصاص

(نيويورك ) – قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن حكومة غزة لم تبدأ بعد على ما يبدو في تحقيقها الموعود منذ أكثر من 4 شهور بعد أن قتل مسلحون سبعة سجناء فلسطينيين متهمين بالتخابر مع إسرائيل. في حين حددت حكومة حماس يوم 11 أبريل/نيسان 2013 موعداً نهائياً لتسليم المتخابرين المشتبهين أنفسهم، مع الوعد بالعفو عنهم.

هؤلاء الرجال الذين شوهدوا أحياءً لأخر مرة أثناء الاقتتال في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 مع إسرائيل، أُعدموا في الطريق العام. تم جر جثمان أحد الرجال مربوطاً بدراجة بخارية. أدانت المحاكم العسكرية الرجال بناء على اعترافات منتزعة بالإكراه بالأساس، وقد تجاهلت أدلة موثوقة على أن المحققين عذبوا ستة على الأقل من بينهم.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "إن عدم قدرة حماس أو قبولها للتحقيق في قتل الرجال السبعة جهاراً نهاراً تقلل لأقصى درجة من مصداقية مزاعمها بأنها تكفل سيادة القانون في غزة. حتى قبل أعمال القتل، فإن الانتهاكات التي تعرض لها الرجال تستهزئ بنظام العدالة الجنائية، بغض النظر عن كونهم مذنبين أو أبرياء".

في قضية أخرى، بتاريخ 24 مارس/آذار 2013 حكمت محكمة عسكرية في غزة على رجل تم القبض عليه في أغسطس/آب 2011 وأدين بالتخابر مع إسرائيل، بالإعدام شنقاً. وثقت هيومن رايتس ووتش حالات بلا حصر لانتهاكات إجراءات التقاضي السليمة، وإساءات بحق المحتجزين، ومحاكمات جائرة في غزة. سجلت منظمات حقوقية فلسطينية أكثر من 100 ادعاء بأعمال تعذيب في عام 2012 وحده. قالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة على الأقل أن تفرض تجميداً فورياً على عمليات الإعدام، ويُفضل أن تلغي عقوبة الإعدام من الأساس.

في بيان بتاريخ 6 أبريل/نيسان نُشر على موقع وزارة داخلية غزة، ذكر محمد لافي نائب مدير جهاز الأمن الداخلي أن أجهزة الأمن قبضت مؤخراً على عدد غير محدد من المتخابرين، ويُزعم أنهم يعملون لصالح "أجهزة الأمن الغربية" وأن "نصفهم اعترفوا".

حددت حماس 11 أبريل/نيسان موعداً نهائياً لأن يسلم المتخابرون أنفسهم مقابل العفو الموعود، بموجب شروط ما وصفته حماس بـ "الحملة الوطنية ضد التخابر مع العدو". قال لافي لموقع "المونيتور" – وهو موقع إخباري إقليمي – إن الجهاز لديه قائمة بالمتخابرين الذين سيعتقلون إذا لم يسلموا أنفسهم.

كانت عائلات الرجال القتلى السبعة الذين قُتلوا في نوفمبر/تشرين الثاني قد شاهدوهم لأخر مرة في منشآت احتجاز بقطاع غزة، وفي بعض الحالات قبل أيام من قتلهم، مما يثير التساؤلات حول إخفاق مسؤولي السجن في حمايتهم من القتلة، أو – الأسوأ – تسليمهم إليهم.

قتل المسلحون أحد الضحايا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني في حين قُتل الستة الآخرين في 20 نوفمبر/تشرين الثاني أثناء الحملة العسكرية الإسرائيلية على غزة.

أعلنت كتائب عز الدين القسام – الجناح المسلح لحماس – مسؤوليتها عن مقتل الستة، وتم تعليق لافتات على الجثامين مكتوب عليها: "تعلن كتائب القسام عن إعدام الخونة"، حسبما أفادت منافذ إعلامية دولية. ربط المسلحون بعض الجثامين الستة إلى دراجات بخارية وجرجروها في الشوارع. كانت وجوه بعض قائدي الدراجات ظاهرة في الصور التي نُشرت على المواقع الإخبارية.

وثقت هيومن رايتس ووتش باستفاضة انتهاكات قوانين الحرب التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية  والجماعات الفلسطينية المسلحة  أثناء الاقتتال في نوفمبر/تشرين الثاني.

قدّم بعض مسؤولي حماس مبررات واهية لأعمال القتل في ذلك الحين. استشهدت وكالة أنباء معا الفلسطينية بتصريحات لمحمود الزهار، القيادي بحماس، وهو يقول للصحفيين في 24 نوفمبر/تشرين الثاني إنه "لن يُسمح بمتخابر واحد في قطاع غزة، ولتقل جماعات حقوق الإنسان ما شاءت. للإنسان حقوق إذا كان شريفاً ولا حقوق له إذا كان خائناً".

كما زعم مسؤولون أمنيون من حماس دون وجه حق أن أحد الرجال اعترف بمساعدته إسرائيل في حين أن الستة الآخرين تم القبض عليهم "متلبسين" وكان معهم "معدات حديثة ومعدات تصوير من أجل تصوير المواقع" أثناء العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة في نوفمبر/تشرين الثاني، كما تناقلت وسائل الإعلام الفلسطينية. لكن كان الرجال السبعة رهن الاحتجاز منذ شهور أو سنوات قبل أعمال القتال في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

أدان قادة آخرون من حماس – منهم نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق – أعمال القتل وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عنها. ذكر رئيس حكومة غزة إسماعيل هنية في 25 نوفمبر/تشرين الثاني أن حماس شكلت لجنة مستقلة للتحقيق في أعمال القتل، وإن لم يقدم تفاصيل عن تشكيل اللجنة. في 2 ديسمبر/كانون الأول في اجتماع مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وهي مؤسسة حقوق الإنسان الوطنية الفلسطينية، انتقد هنية أعمال القتل، وتعهد بتنفيذ توصيات اللجنة، وقال إن الحكومة ستبحث في أمر منح تعويضات لأهالي الضحايا إذا طالبتها اللجنة بذلك.

لم تعلن الحكومة أية معلومات عن أعضاء اللجنة، أو نشاطها أو النتائج التي توصلت إليها. لم يرد هنية على رسالة أرسلت إليه من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في مارس/آذار للمطالبة بمعلومات عن اللجنة. ومن بين أهالي خمسة ضحايا قابلتهم هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول، قالت أربع أسر في أبريل/نيسان إن اللجنة لم تتصل بهم. قالت زوجة أحد الرجال إن مسؤولاً بحماس أخبر ابنها بأنه تم القبض على القتلة وجاري التحقيق معهم، لكن لم تكن لديها معلومات تدعم هذا الزعم. لم نتمكن من الوصول إلى الأسرة الخامسة للاطلاع على تعليقها.

قال أقارب لخمسة من الرجال الستة الذين قُتلوا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني – وتمت مقابلة كل منهم على انفراد – إنهم عندما ذهبوا لأخذ الجثامين من مستشفى الشفاء ذلك اليوم، وجدوا خمس جثث ملقاة على أرض المشرحة، ومنعهم مسؤولو المستشفى من استعادة الجثث لمدة 24 ساعة، وأن الجثث كانت في المكان نفسه في اليوم التالي. رفضت أسرة الرجل السادس إجراء مقابلة معها.

اتهم المدعي العسكري الرجل الذي قُتل في 16 نوفمبر/تشرين الثاني بالتخابر مع العدو، وكانت محاكمته جارية وقت أن قُتل. سبق أن أدانت المحاكم العسكرية ستة رجال بالقتل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني بتهمة التخابر مع العدو، لكن في كل قضية من القضايا، كان من المنتظر أن تفصل محاكم الاستئناف في الأحكام.

وفي أربع على الأقل من القضايا السبع، يبدو أن القضاء في غزة تجاهل مزاعم بأن الرجال حرموا من مقابلة أقاربهم والمحامين لفترات طويلة، وأنهم عذبوا رهن الاحتجاز، وأن إدانتهم بتهمة التخابر لا تستند إلا لاعترافات منتزعة بالإكراه، طبقاً لأهالي الرجال والمحامين ووثائق المحكمة التي اطلعت عليها هيومن رايتس ووتش.

أصدرت المحاكم العسكرية 13 حكم إعدام ضد أشخاص يُزعم بأنهم متخابرون مع العدو، وأعدمت وزارة الداخلية ستة منهم على الأقل منذ تولي حماس السلطة في عام 2007، طبقاً للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان. أثناء القتال مع إسرائيل في 2008 و2009 وبعده، قام مسلحون وأعضاء بأجهزة أمن غزة بإعدام 32 شخصاً على الأقل خارج نطاق القضاء، بينهم أشخاص يُزعم أنهم متخابرون. قالت سلطات حماس لـ هيومن رايتس ووتش آنذاك أنها حققت في أربع قضايا، تخص أعمال قتل رهن الاحتجاز، وتقدمت باتهامات ضد اثنين من رجال الشرطة المتورطين.

وقالت سارة ليا ويتسن: "بعد شهور من قتل سبعة فلسطينيين في وضح النهار، على ما يبدو بتواطؤ من مسؤولي الأمن، يبدو أن سلطات حماس في غزة لم تحرك ساكناً لكي تبدأ التحقيق، ناهيك عن محاسبة المسؤولين عن أعمال القتل". وأضافت: "على حماس أن تتخذ خطوات ملموسة لإصلاح نظام العدالة الجنائية ولكي تكسر دائرة الإفلات من العقاب التي تدع المعذبين والقتلة طلقاء، كما يظهر من قضايا هؤلاء الرجال".

السجناء الذين قُتلوا في نوفمبر/تشرين الثاني
في 16 نوفمبر/تشرين الثاني قامت مجموعة من المسلحين بنقل أشرف عبد الحميد عويضة – 41 عاماً – إلى حي الناصر بمدينة غزة، حيث أطلقوا عليه النار وأردوه قتيلاً. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني نقل مسلحون عامر العف وزهير حمودة وربحي بدوي وبلال العبادسة، وغسان عصفور وفضل أبو شلوف، عند تقاطع بين الشيخ رضوان والناصر شمالي مدينة غزة، وهناك أطلقوا عليهم النار وقتلوهم، على حد قول شهود.

أشرف عويضة
عويضة – 41 عاماً – هو أب لسبعة أبناء، وكان يملك متجراً لقطع غيار السيارات في شارع القيادة في حي الزيتون بمدينة غزة. قام أربعة رجال في ثياب مدنية بالقبض عليه من بيته في 26 ديسمبر/كانون الأول 2011، على حد قول زوجته ختام – 39 عاماً – لـ هيومن رايتس ووتش.قالوا: "لا نريد إلا أن نتكلم معه خمس دقائق" ثم أخذوه. بعد 15 يوماً ظهر رجال شرطة في ثياب رسمية وصادروا سيارته الجيب وسيارتنا. جعلوه يتصل بنا ليخبرنا بأن نترك لهم السيارات. كانت هذه هي أول مرة نسمع صوته. اكتشفنا أنه محتجز على يد الأمن الداخلي في "قصر الحاكم". رحنا نذهب إلى هناك لمدة شهر لكنهم كانوا يقولون لنا دائماً أنه محظور علينا أن نراه. عندما تمكنت من زيارته، قلت له: "أشرف هذا الموضوع استغرق طويلاً" ورفع ذراعاً وقال: "الصبر". رأيت تحت ذراعه أن جلده كله مصاب بكدمات. كان يُعذب لكن لا يمكنه أن يتكلم عن هذا الموضوع. كان هناك حراس ورائه.

خصصت محكمة غزة العسكرية في البداية محامياً للدفاع عن عويضة، وفيما بعد استعانت الأسرة بخدمات إبراهيم الحداد المحامي. قال الحداد لـ هيومن رايتس ووتش إن عويضة اتهم في 20 يونيو/حزيران 2012 بنقل معلومات إلى العدو لمساعدة قواته المسلحة، بما يقوض من سمعة الثورة الفلسطينية، وهي التهمة التي يُعاقب عليها بالإعدام بموجب قانون عقوبات منظمة التحرير الفلسطينية الثوري لسنة 1979. قال الحداد إنه قابل عويضة في جلسات المحكمة العسكرية فقط، لأن عويضة رفض أن يقابله في أماكن أخرى. لم ير الحداد آثار مادية على التعذيب، لكنه قال إن اعتراف عويضة لا يبدو قابلاً للتصديق وأنه غيّر أقواله في المحكمة تحت الإكراه:

اعترف موكلي بكل شيء، بكل هجمة شهدتها غزة. قالوا إن لديه جهاز "جي بي إس" في السيارة الجيب وأنه على اتصال دائم بالأقمار الصناعية. كان اعترافه 130 صفحة. راح يغير تواريخ تحركاته وتصرفاته المفترضة. يقول شيء في المحكمة، ثم يعيدونه إلى الأمن الداخلي فيعود ليصحح ما قاله المرة التالية. لم أعرف أنه في الأمن الداخلي إلا لأنه قال ذلك في المحكمة، هذا كل ما أعرفه. طلبت من القاضي نقله إلى سجن [من منشأة احتجاز الأمن الداخلي] لكن القاضي قال إن ليس هذا من صلاحياته.

وزعت أجهزة أمن غزة مقطع فيديو لعويضة يعترف فيه بإرسال معلومات إلى إسرائيل استخدمتها القوات الإسرائيلية في قتل قيادات من حماس بينهم عبد العزيز الرنتيسي في عام 2004 وسيد صيام في عام 2009، حسبما أفاد موقع المونيتور.

قال الحداد إنه مثل أمام المحكمة العسكرية بمدينة غزة ثلاث مرات في قضية عويضة، لكن النيابة لم تحل إليه ملف عويضة كاملاً، مما أعاق قدرته على تحضير الدفاع. كانت محاكمة عويضة ما زالت جارية وقت أن قُتل.

زارت الأسرة عويضة لآخر مرة في منشأة الاحتجاز في 10 نوفمبر/تشرين الثاني. بعد ستة أيام، على حد قول والد زوجة عويضة، عبد السميع براوي لـ هيومن رايتس ووتش: "اتصل ابن عم ليقول إنه قُتل في الشارع".

عامر العف
قام مسلحون مجهولون بقتل عامر العف – 37 عاماً – في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012. قالت منى العف – زوجته البالغة من العمر 33 عاماً – لـ هيومن رايتس ووتش إن زوجها كان يملك مقهى قرب الشاطئ وأنه احتجز في 30 أغسطس/آب 2010:

لم نكن نعرف أين هو. بعد أربعة أيام فتش رجال الأمن الداخلي بيتنا وقالوا: "لا تقلقوا، إنه معنا". بعد 4 شهور اتصل ليقول إنه يريد ثياباً. كانوا وقتها قد انتهوا من التحقيق معه. فقد الكثير من الوزن. قال إنه قد رُبط وعُلق من خطاف. كان ذلك في حجرة طويلة قال إن السجناء الآخرين اسموها "الحافلة".

قال حسن ابن عامر العف – 18 عاماً وهو أحد ستة أبناء – إن والده احتجز على يد الأمن الداخلي في منشأة احتجاز "قصر الحاكم" لمدة 3 شهور ونصف الشهر:

نُقل [خلال تلك الفترة] من أجل الزيارات العائلية إلى [منشأة احتجاز] الأنصار، وفيما بعد نُقل إلى سجن الكتيبة. لم يكن يقدر على الكلام إلا همساً، متحدثاً عما تعرض له. كان هناك حراس في الحجرة وكنا نكلمه من وراء نافذة زجاجية. كان يحتاج مساعدة ليتمكن من النهوض، فكان الحراس يساعدونه. قال إنه عندما نقل إلى الكتيبة انتهى التعذيب و"يمكنني أن أرتاح الآن" لأنهم انتهوا من التحقيق معه.

قالت عائلة العف إن النيابة زعمت بقيامه بتوزيع نقود على متخابرين لصالح إسرائيل. في 24 يناير/كانون الثاني 2011 حكمت محكمة عسكرية على العف بالإعدام بعد إدانته بالتخابر مع العدو. أعقب حكم الإعدام تلقائياً مرحلة الاستئناف أمام محكمة الاستئناف العسكرية. بعد أن أصدرت المحكمة الأدنى درجة حكمها، استعانت الأسرة بمحامي، هو محمد نجار، لتمثيله أمام محكمة الاستئناف. قالت الأسرة إن نجار طالب المحكمة بتجاهل الأدلة التي لا تستند إلا على اعترافات العف بدعوى أنها منتزعة تحت التعذيب.

قالت أسرته إن محكمة الاستئناف ذكرت في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2012 إنها ستصدر الحكم في ديسمبر/كانون الثاني.

وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني، على حد قول منى العف: "اتصل الناس ببيت جدي" لإخبار أسرة عامر العف بأنه "قُتل قرب محطة وقود بهلول في شارع ناصر". قال أفراد أسرته إنهم ذهبوا إلى مستشفى الشفاء في التاسعة مساء ذلك اليوم لأخذ رفاته، لكن المستشفى رفض السماح لهم بذلك حتى اليوم التالي. قال حسن العف لـ هيومن رايتس ووتش:

كنت هناك عندما جلبوا جثته. أُطلقت عليه رصاصتين، واحدة في الرقبة والأخرى في مؤخرة رأسه. وضعوا جثمانه على الأرض في المشرحة. انتظرنا حتى الساعة 11 مساءً لكنهم قالوا: "أولاً يجب أن نُخرج جثث الشهداء ثم سنتعامل مع جثثكم". استدعونا مرة أخرى اليوم التالي، الساعة 10:30 صباحاً. رأيت الجثث الست على الأرض، لم يضعوها في الثلاجة. كانت مكومة فوق بعضها البعض.

ربحي بدوي
أوقف مسؤولو الأمن الداخلي ربحي بدوي – الذي كان يبلغ من العمر 37 عاماً عندما قُتل – في 22 أغسطس/آب 2009، على حد قول أسرته لـ هيومن رايتس ووتش. طبقاً لاسرته، كان بدوي عضواً "جلجلت" وهي جماعة مسلحة اتهمتها حماس بأنها تقوض من المبادئ الدينية والوطنية، وبدعم عبد اللطيف موسى، قائد مجموعة دينية معارضة لحماس. قتلت قوات حماس موسى وأكثر من 24 شخصاً من أنصاره أثناء تبادل لإطلاق النار في مسجد برفح في عام 2009. شارك بدوي في القتال برفح لكنه فرّ إلى مدينة غزة، على حد قول أسرته. قال أحد أقارب بدوي، وقد طلب عدم ذكر اسمه:

جاء ضباط من الأمن الداخلي ورجال في ثياب عسكرية إلى بيتنا وقبضوا عليه. وعلى مدار سبعة أشهر لم نسمع منه. ثم في زيارتنا الأولى قال لنا إنهم عذبوا 55 يوماً. كسروا أسنانه، ورأينا غرساً جراحية في فمه. قال إنهم علقوا مرفوعاً عن الأرض، وكانت يداه مربوطتان وراء ظهره. قابلناه في سجن الأمن الداخلي [يُدعى الأنصار]. جلبنا له ثياباً نظيفة وأخذنا ثيابه القديمة، وكانت ملطخة بالدم. قال: "حدث لي شيء خطير جعلني أوقع [على اعتراف]".

قال محامي بدوي إن أثناء احتجازه، غيرت النيابة العسكرية التهمة الموجهة إليه من الإرهاب – على أعماله كعضو في جلجلت – إلى التخابر مع العدو والقتل بموجب قانون العقوبات الثوري لسنة 1979.

اتهمت النيابة العسكرية بدوي في 22 أغسطس/آب 2009. بعد ذلك نقلت وزارة الداخلية بدوي إلى سجن الكتيبة، حيث تمكنت أسرته من زيارته بانتظام. قال قريبه: "كنا نزوره كل 15 يوماً. قال للمحكمة إنه كان في صفوف جلجلت لكن رفض تهمة التخابر، وأعادوه إلى السجن ونزعوا لحيته".

قال إيهاب الجباري المحامي الذي دافع عن بدوي، لـ هيومن رايتس ووتش إن المحكمة العسكرية بمدنية غزة أخلت ذمة بدوي من تهمة القتل، لكن أدانته بالتخابر مع العدو وحكمت عليه بالإعدام شنقاً، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2011، مما بدأ عملية الاستئناف. أظهر الجباري لـ هيومن رايتس ووتش ملف بدوي ووصف القضية:

ورد في اعترافه أنه سار عبر خطوط المواجهة في حرب 2009 [مع إسرائيل] في عزبة عبد ربه [في غزة] وقابل مسؤول استخبارات إسرائيلياً وتلقى 1.5 مليون وأسماء 2500 متخابر آخرين كان المفترض أن يوزع عليهم النقود، وأنه عاد عبر الخطوط الأمامية. أوضحنا أنه لا يمكن أن يكون قد فعل هذا خلال الفترة الزمنية التي ذكرتها النيابة، وقد ذكرت أن الأمر استغرقه ساعات قليلة. قلنا بأن هذا يتعارض مع اعترافه، وأن الاعتراف منتزع تحت وطأة التعذيب، وأنه لم يتمكن من مقابلة محامي طيلة فترة استجوابه، لكن القاضي لم يصدقنا.

في الجلسة الأخيرة ضمن 15 جلسة أمام محكمة الاستئناف العسكرية، تقرر النطق بحكم بدوي في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، يوم أن قُتل. خلّف ورائه زوجته وخمسة أبناء. ولدت ابنته الصغرى بعد أن دخل السجن، وقال لأسرته أن تسميها "براءة" رداً على ما وصفته أسرته بـ تهمة التخابر الباطلة.

هناك قريب آخر طلب عدم ذكر اسمه قال: "بعد أن قُتل وحصلنا على جثمانه، رأينا آثار حروق من السجائر، ورأينا أن قضيبه قد أُحرق". كما تم تشويه جثمانه بسبب السحل على الأرض وراء دراجة بخارية. قال القريب: "لم يكن هناك جلد على ظهره، وكانت العظام ظاهرة".

زهير حمودة
زهير أحمد محمد حمودة – من بيت لاهيا – كان يبلغ من العمر 47 عاماً عندما قُتل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني. حتى عام 2001 كان حمودة يعمل في إسرائيل. أحد أبنائه – روما ويبلغ من العمر 19 عاماً – تلقى علاجاً في مستشفى إسرائيلية من 2005 إلى 2008 بعد أن لعب بمخلفات غير منفجرة وهو طفل، ما أدى إلى بتر يده اليمنى. تقدر أسرته أن هذه الصلات بإسرائيل ربما أدت إلى إثارة شكوك أمن حماس بأن حمودة وزوجته يتجسسان لصالح إسرائيل.

قبض مسؤولو الأمن الداخلي على حمودة وزوجته في 17 أبريل/نيسان 2011، على حد قول أقارب لهما لـ هيومن رايتس ووتش. قالت زوجة شقيق حمودة، رسمية محمودي، 46 عاماً: "استغرقنا 3 شهور لنعرف أين هما، لكن لم يدعنا الأمن الداخلي نزورهما ولم يخبرونا بمعلومات عنهما لمدة عام تقريباً" إلى أن تم اتهامهما ونُقلا إلى سجن الكتيبة.

أما شقيقة زوجته، سهيلة دهامس – 50 عاماً – فقد قالت إن أول زيارة من أسرته في السجن كانت في منشأة احتجاز الكتيبة في رمضان عام 2011:

قلت: "هل عذبوك؟" قال نعم، فعلوا. أظهر لي كاحله، حيث أحرقوه. قال إنهم رسموا صورة لدراجة بخارية على الحائط وقالوا له أن يركبها، ثم عذبوه بما أنه لم يتمكن من ذلك بالطبع. قال إن التعذيب حمله على الاعتراف بأشياء لم يفعلها.

اتهم كل من الزوج والزوجة بالخيانة، واتهم حمودة أيضاً بالضلوع في جريمة قتل، بموجب قانون عقوبات 1979 الثوري. تفحصت هيومن رايتس ووتش أوراق المحكمة، وشملت شهادات شهود (تم حذف الأسماء منها) عرضتها النيابة العسكرية، بتاريخ 21 يونيو/حزيران 2011.

أدانتهما المحكمة في 12 سبتمبر/أيلول 2012، وحكمت على حمودة بالإعدام وعلى زوجته بالسجن عشر سنوات. قبل وفاة حمودة، طعن محاميه على الحُكم بدعوى وجود خطأ إجرائي ارتكبته المحكمة الأدنى درجة، لأن حُكمه وُقع من قبل رئيس المحكمة وليس من قبل القاضي المسؤول عن قضيته، كما يطالب القانون. قال المحامي: "كان المقرر عقد جلسة الاستئناف الأخيرة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني، لكن تم إرجائها، ثم بدأ القتال. كان المتوقع أن تعود قضيته إلى المرحلة التمهيدية السابقة على المحاكمة" أمام المحكمة العسكرية الأدنى درجة.

هناك قريب آخر لحمودة، طلب عدم ذكر اسمه، قال إن الأسرة تعتقد أنه قُتل حوالي الساعة 11 صباح 20 نوفمبر/تشرين الثاني: "وصلتنا مكالمة من شخص تعرف عليه حوالي الساعة 3 مساءً. ذهبنا إلى محطة الوقود لكن لم يعطونا إياه بسبب التجمهر. كان الناس يطأون الجثث بأقدامهم".

كما ذهب وسام – ابن حمودة البالغ من العمر 26 عاماً – لأخذ جثمان والده. قال: "بعد ساعة عدنا في سيارة لكنهم كانوا قد أخذوا الجثث إلى [مستشفى] الشفاء. لكن لم يسمحوا لنا بأخذ الجثمان. الساعة 9 صباح اليوم التالي ذهبنا لأخذه. كانت الجثث ما زالت على الأرض في المستشفى. رأينا ندبات وحروق على جسده". رفض المستشفى إعطاء الأسرة تقرير تشريح أو شهادة وفاة، على حد قول الأقارب.

قال الأقارب إن المسؤولين بسجن الكتيبة لم يسمحوا لزوجة حمودة – السجينة هناك – بأن تحضر جنازة زوجها.

بلال العبادسة
بلال جمال عبد الماجد العبادسة، من خان يونس، كان يبلغ من العمر 26 عاماً وقت أن قُتل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012.

استدعاه مسؤولون من الأمن الداخلي إلى مقرهم في خان يونس يوم 18 مايو/أيار 2010. كان العبادسة عاملاً في أنفاق التهريب تحت حدود غزة الجنوبية مع مصر، وأيضاً عضو في الجناح المسلح للجهاد الإسلامي، سرايا القدس، على حد قول عائلته. كان عمه د. جميل العبادسة – 60 عاماً – قد تقاعد للتو من وزارة التخطيط في غزة، وقال إن عندما وصل الاستدعاء للأسرة من الأمن الداخلي: "سألنا بلال، هل هربت مخدرات أو أسلحة لجلجلت في الأنفاق؟ فقال لا، وصدقناه، ففكرت أن من الأفضل أن يذهب إذن للأمن الداخلي".

عرفت أسرته فيما بعد أن مسؤولي الأمن الداخلي نقلوه فوراً إلى سجن مدينة غزة للاستجواب. قال والده جمال العبادسة – 59 عاماً: "لم نكن نعرف أين هو لمدة 17 يوماً، ولم نتمكن من زيارته طيلة 90 يوماً". بعد أسبوعين من القبض عليه، جاء مسؤولو الأمن الداخلي إلى البيت وفتشوا حجرته دون تقديم أمر تفتيش، على حد قول أسرته، واستجوبوا والده وسألوه إن كان عضواً في جلجلت، وقد أنكر ذلك.

في مطلع يونيو/حزيران 2010 استدعى الأمن الداخلي والد العبادسة، واثنين من أشقائه، وزوجته إلى مقر الأنصار بمدينة غزة للاستجواب، وقالوا إنه مشتبه بالتخابر مع إسرائيل. قال الأب: "سألوني من دفع نفقات زواجه؟ من أين يحصل على النقود؟ لكنني أنا من دفع هذه النقود. قبل يوم من القبض عليه كنت ما زلت أسدد ذلك الدين". قال شقيق العبادسة ووالده إنهما استدعيا مراراً بعد ذلك من قبل الأمن الداخلي ومكتب النيابة العسكرية في مدينة غزة.

زارته زوجته ومعها أمه في أواسط سبتمبر/أيلول 2010. قالت زوجته عبير: "تحدثنا معه من وراء نافذة، قال إنه تعرض للتعذيب ولم يكن بإمكانه النهوض. كانت آلاء [ابنته] تبلغ من العمر أسبوعاً وقتها وطلب أن يُسمح له بحملها، لكنه احتاج للمساعدة في ذلك، كان ضعيفاً للغاية لا يقدر على حملها. فقد أربعة أسنان وكان من الصعب عليه أن يرى بعينيه. كنت أراه مرة كل أسبوعين، كل مرة نحو 20 دقيقة".

اطلعت هيومن رايتس ووتش على مستندات عديدة من محاكمات العبادسة أمام المحكمة العسكرية ومحكمة الاستئناف العسكرية، في مدينة غزة. بدأت محاكمته الأولى في 29 سبتمبر/أيلول 2010 وانتهت بعد 30 جلسة بإدانته باتهامات التخابر مع العدو، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2011. بعد صدور الحكم بدأت مرحلة الاستئناف، حيث مثله غازي أبو وردة، المحامي بمدينة غزة، وقدم شهود الدفاع في ثلاث جلسات. شهد يحيى موسى قريب العبادسة والعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني بأنه زاره رهن الاحتجاز ويعتقد أنه تعرض للأذى وهو حبيس. في الجلسة الرابعة، قال العبادسة للمحكمة إنه عُذب. انتهت الجلسات في مارس/آذار، لكن تكررت تأخيرات محكمة الاستئناف لحكمها ولم تكن قد أعلنته وقت أن قُتل.

رأته أمه لأخر مرة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2012، في سجن الكتيبة. قالت: "كان المفترض أن نذهب لنراه في اليوم الذي قُتل فيه". عندما أخذت العائلة جثمانه، على حد قول أحد الأقارب: "لم نتمكن من رؤية عينيه، كان وجهه قد تعرض لضرب غاشم أخفى عينيه من التورم". اطلعت هيومن رايتس ووتش على مقطع فيديو لمراسم دفن العبادسة وجسده في مسجد، وكانت الكدمات ظاهرة في عينيه.

فضل أبو شلوف
رغم أن هيومن رايتس ووتش لم تحقق في عملية قتل فضل أبو شلوف – 24 عاماً من رفح جنوبي قطاع غزة – فقد غطى الإعلام قضيته بعمق. تشير التقارير الإعلامية إلى أنه عُذب رهن الاحتجاز. تم اختطافه في 10 يناير/كانون الثاني 2008، على حد قول أقاربه لصحيفة نيويورك تايمز. قال والد أبو شلوف للصحيفة إن الأمن الداخلي استدعاه بعد تسعة أيام، وأنه رأى فضل وقتها. كان المحققون قد كسروا أصابعه وعذبوه بتقطير خراطيم سائلة من الحرارة على جلده، وعلقوه من السقف من كاحليه.

غسان عصفور من حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، قُتل بدوره في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012. اتصلت هيومن رايتس ووتش بأسرته التي فضلت عدم إجراء مقابلة بشأن قضيته.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة