Skip to main content

مصر - يجب تعديل مسودة الدستور لحماية الحقوق الأساسية

بعض نصوص المسودة لا تتفق مع القانون الدولي

 

(نيويورك) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم في رسالة وجهتها إلى أعضاء الجمعية التأسيسية المصرية إن على الجمعية أن تعدل المواد الواردة في مسودة الدستور والتي تقوض حقوق الإنسان في مصر ما بعد مبارك. قالت هيومن رايتس ووتش إن المسودة تنص على بعض الحقوق الأساسية السياسية والاقتصادية، لكن نصوصها  لا تتوافق مع القانون الدولي. فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل، وحريتي العقيدة والتعبير، وكذلك، على نحو يثير الدهشة، فيما يتعلق بالتعذيب والإتجار في البشر.

وقال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "أمام الجمعية التأسيسية فرصة تاريخية لوضع الأساسات اللازمة لاحترام حقوق الإنسان في مصر المستقبل، إلا أن مسودتها الحالية تخفق في الارتقاء إلى هذا المعيار القانوني بسبب الصياغات والقيود الفضفاضة والغامضة في المسودة، التي تدمر جوهر الكثير من الحريات. وما يبعث على الصدمة بصفة خاصة ألا يأتي دستور مصر ما بعد مبارك على ذكر التعذيب، بل يشير فقط إلى أشكال أدنى من الإيذاء البدني".

قامت هيومن رايتس ووتش بمراجعة مسودة 27 سبتمبر/أيلول 2012، والتغييرات اللاحقة في بعض النصوص، المنشورة على موقع الجمعية الإلكتروني الرسمي وتحليل النصوص على أساس التزامات مصر الدولية وفقا لمعاهدات حقوق الانسان. كان هناك غياب للشفافية فيما يتعلق بالجدول الزمني لعملية صياغة الدستور، لكن رئيس الجمعية المستشار حسام الغرياني قالإنه يتوقع أن يكون الدستور جاهزاً بانتهاء النصف الأول من نوفمبر/تشرين الثاني. يبين الموقع الإلكترونيالرسمي للدستور كيف جرت مراجعة كل مادة خلال عملية الصياغة، ويرحب بالتعليقات على الموقع، إلا أن منظمات مجتمع مدني مصرية انتقدت الجلسات العلنية التي تعقدها الجمعية ووصفتها بأنها تجميلية وشكلية، قائلة إن المفاوضات الحقيقية تتم خلف أبواب مغلقة.

فور انتهاء اللجان المتخصصة من التفاوض على صياغة كل باب والموافقة عليه على مستوى اللجنة، تُعرض وثيقة الدستور كاملة على الجمعية بكامل هيئتها للتصويت عليها، حيث ستخضع للمزيد من التعديلات. وكما ورد في الإعلان الدستوري الصادر عن الرئيس محمد مرسي في 12 أغسطس/آب، يتم استفتاء الشعب على الدستور بعد إقرار المسودة بـ30 يوما، وتجري الانتخابات البرلمانية بعد ذلك بشهرين.

قالت هيومن رايتس ووتش إن مسودة الدستور تكفل الكثير من الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الأساسية، والمادة 47 جديرة بالذكر على وجه الخصوص، حيث أنها تحظر إنشاء محاكم استثنائية ومحاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية. بوسع هذا النص أن يضع حداً لإساءة استخدام المحاكم العسكريةفي محاكمة المدنيين، وهي الممارسة التي اتسع نطاقها في عهدي مبارك والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويمكن أن تؤدي إلى حلّ محاكم أمن الدولة.

المواد  التى لا تتوافق مع التزامات مصر الدولية

إلا أن بعض المواد المحورية الأخرى لا تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ومن شأنها أن تمثل تهديداً جدياً لمستقبل حقوق الإنسان في مصر، كما قالت هيومن رايتس ووتش.

تخفق المادة 5 في حظر التعذيب على نحو واضح، إذ تقتصر على حظر أشكال أدنى من "الإيذاء البدني أو المعنوي"، بدلاً من النص على جريمة التعذيب وإقرار ضرورة التحقيق والملاحقة القانونية عند وقوعها. من أهم أسباب تفشي الإفلات من العقابعلى التعذيب في مصر أن قانون العقوبات لا يجرم التعذيب بشكل كامل، مما يصعّب الملاحقة القانونية للشرطة على التعذيب الذي تم في عهد مبارك. قالت هيومن رايتس ووتش إن  الإخفاق في حظر التعذيب بشكل كامل يثير الدهشة بصفة خاصة بالنظر إلى الدور المركزي الذي أداه الغضب من انتهاكات الشرطة في إشعال احتجاجات يناير/كانون الثاني 2011.

وتهدد المادة 36 مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بقولها إن الدولة تضمن المساواة بين الجنسين بما لا يخل "بأحكام الشريعة الإسلامية"، وتمضي قائلة إن الدولة تضمن للمرأة "التوفيق بين واجباتها نحو الأسرة وعملها في المجتمع". تتناقض هذه المادة مع مادة أخرى في نفس الباب تحظر التمييز على أساس الجنس. يمثل التمييز ضد المرأة في القانون المصري، وبالأخص في قانون الأسرة، مشكلةمزمنة وقديمةبالنسبة لحقوق المرأة فى مصر، لكن الاحتفاظ بالإشارة إلى "أحكام الشريعة" في الدستور الجديد هو أمرٌ يفتح الباب لمزيد من التراجع في حقوق المرأة.

في أعقاب ضغوط من أعضاء بالجمعية من السلفيين، تخلى أعضاء اللجنة عن الصياغة التي تحظر الإتجار في النساء والأطفال واستبدلوا بها الحظر الأكثر عمومية على "انتهاك حقوق النساء والأطفال".

في 19 سبتمبر/أيلول قال يونس مخيون، أحد أعضاء الجمعية وقيادي بحزب النور، قال في مقابلةتم بثها على قناة التحرير على الهواء، إنه طالب بإزالة المادة، متعللاً بأنه "ليس في مصر إتجار بالنساء والأطفال"، وأن النص على مثل هذه المادة من شأنه "تشويه صورة مصر بالخارج" وأن بعض المعاهدات الدولية تعتبر أن الزواج المبكر يرقى إلى مستوى الإتجار في البشر.

في مقابلة تالية قالمخيون في برنامج "العاشرة مساء" التلفزيوني إن الفتيات في رأيه قد يستطعن الزواج في سن التاسعة أو العاشرة. كان أعضاء البرلمان السلفيون قد حاولوا تعديل قانون الطفل المصري لخفض سن الزواج من 18 إلى 16 أو حتى 9 سنوات. من أشكال الإتجار في البشر التي تجد انتقاداً متكرراً في مصر الإتجار بفتيات صغيرات من عائلات فقيرة للزواج المبكر في الخليج.

وقال نديم حوري: "من الجدير بالاستنكار بصفة خاصة أن يرضخ أعضاء اللجنة للضغوط ويستبعدوا الصياغة التي تجرم الإتجار في النساء والأطفال، مع أن هذا الأمر يمثل جريمة خطيرة في القانون الدولي  والقانون المصري،  وهي جريمة تحدث على أرض مصر الآن".

وتعتبر المادة 8 من باب الحريات  تمييزية لأنها تقصر إقامة دور العبادة على أتباع الديانات الإبراهيمية (الإسلام والمسيحية واليهودية)، ومن ثم تستبعد أتباع الديانات الأخرى، وخاصة البهائيين، على حد قول هيومن رايتس ووتش.

من المواد  التى تُنَاقش حتى الآن رغم عدم إدراجها في المسودة الحالية، هي المادة 9، التي  تعتبر التهديد الخطير لحرية التعبير والعقيدة، حيث تنص على أن "الذات الإلهية مصونة يحظر المساس أو التعريض بها، وكذا ذوات أنبياء الله ورسله جميعا، وكذلك أمهات المؤمنين، والخلفاء الراشدين".

من شأن هذه المادة أن تعرض شيعة مصر بصفة خاصة للخطر، لأنهم مسلمون يتبنون تفسيراً مخالفاً لتفسير الأغلبية السنية بشأن "الخلفاء الراشدين". في 18 يوليو/تموز، قال مخيون عضو حزب النور لصحيفة "المصري اليوم" اليومية إن هذه المادة ستعطل المد الشيعى في مصر، وتضع حداً لمحاولات بناء الحسينيات،  دور العبادة الشيعية، في مصر. كما نُقل عن ممثل مؤسسة الأزهر الدينية الرسمية في الجمعية، الشيخ عبد التواب عبد الحكيم قطب، أنه قال إن الأزهر "سيقاوم نشر التشيع، الذي يؤذي الله ورسوله".

من مصادر الجدل الأخرى، ولعله الأهم من حيث مستقبل تشريعات حقوق الإنسان في مصر، المقترح الذي يطالب به حالياً الكثير من أعضاء الجمعية السلفيين وهو إقرار مؤسسة الأزهر الدينية كمرجعية  نهائية لتفسير كل ما يتعلق بالشريعة و تنص المادة 2 على أنه مبادئ الشريعة  المصدر الرئيسي للتشريع، وبذلك منح الأزهر دور المراجع لضمان اتساق كافة التشريعات مع الشريعة. إذا أدرجت المادة 4في المسودة النهائية فسوف تنشيء دوراً لمراجعة التشريعات تتولاه هيئة غير منتخبة ولا تخضع للمحاسبة، بدون إمكانية الرجوع للمراجعة القضائية.

دعت هيومن رايتس ووتش أعضاء الجمعية أيضاً إلى النص على مادة تضم حقوق الإنسان كما  تنص عليها المعاهدات الدولية التي صدقت عليها مصر، تضمها مباشرة إلى القانون المصري، لتقوية الأساس الذي يتيح تعديل الكثير من القوانين المصرية المقيدة للحقوق. وتشمل تلك المعاهدات العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب. في يناير/كانون الثاني نشرت هيومن رايتس ووتش تقريراًيدعو البرلمان إلى تعديل الكثير من القوانين القمعية، قائلاً إنه ينبغي منح أولوية تشريعية لإصلاح هذه القوانين.

وقال نديم حوري: "تحتوي مسودة الدستور على الكثير من الثغرات التي قد تسمح للسلطات في المستقبل بقمع الحقوق والحريات الأساسية وتقييدها. وعلى الجمعية التأسيسية أن تعالج بواعث القلق هذه قبل التصويت على الدستور".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.