Skip to main content

أخذ الرقيب السابق في استعادة ذكرى واحدة من أمسيات شهر يناير/كانون الثاني حين أغارت وحدته العسكرية السورية على أحد المنازل بالقرب من مدينة الزبداني التي لا تبعد كثيراً عن دمشق. فقد أحضر الجند إلى المنزل رجلاً في السبعين من عمره مرتدياً زي المستشفى وأخذوا في استجوابه، وكان من بينهم ضابط برتبة عقيد. وعندما أصبح الرجل غير قادر على الاستجابة بصورة ترضيهم، ضربه أحد الجنود بشدة على وجهه مستخدماً في ذلك خوذة عسكرية.

كذلك قال لي الرقيب السابق " سمعت ذلك الرجل المسن يغمغم بصوت مكتوم بينما كان يتهاوى على الأرض" وأضاف " دخلت إلى المكان بعد مرور نحو 15 دقيقة من احضار الرجل بدءاً إلى المنزل، وشاهدت جسده فاقداً الحياة. كان الدم يتدفق من أنفه وأذنيه. أنا على يقين من أنه كان ميتاً وأنهم تخلصوا من جثته وحسب."

مع تصاعد حدة العنف في سوريا، يسارع آلاف الأشخاص بالفرار إلى البلدان المجاورة لتفادي إراقة دمائهم. وعلى الرغم من أن سيل اللاجئين إلى الأردن ولبنان وتركيا قد حظي بتغطية مكثفة، فإن السوريين الذين فروا إلى العراق، وأكثرهم من الأكراد، لم ينالوا إلا قدراً أقل من الاهتمام. فمنذ يوم 14 إبريل/نيسان، أي في الوقت الذي التقطت فيه غالبية تلك الصور، كان ما يربو على الثمانين من الأكراد السوريين يعبرون يومياً إلى محافظة دهوك في شمال العراق الواقع تحت السيطرة الكردية. كان معظمهم يفدون من محافظتي قَمِشْلي والحسكة الكرديتين والأكثر فقراً في شمال شرق سوريا. كان نحو 1300 من الأكراد السوريين رجالاً ونساءً وأطفال يعيشون في الخيام في دوميز وهو مخيم اللاجئين الرئيسي للوافدين الجدد، على مقربة من مدينة دهوك.

لقد تقدمت الحكومة السورية في العام الماضي ، بعد أعوام من التمييز والإهمال والقمع، ببعض الامتيازات للجماعة الكردية، تضمنت منح الجنسية لما يقدر بنحو مائتي ألف من الأكراد الذين لم يكن موقف جنسيتهم محدداً. وكانت تلك محاولة للحيلولة دون انضمام الأكراد، المقدرة نسبتهم بـ 10 بالمائة من تعداد سكان سوريا، لحركة الاحتجاج المناوأة للأسد.

الاحتجاجات والمنافي

 منذ بدء الانتفاضات في العام الماضي، كان العنف والقمع في المناطق الكردية أقل دموية عما كانا عليه في أجزاء أخرى من سورية. إلا أن العديد من الأكراد السوريين الذين فروا إلى العراق، وغالبيتهم من الشباب، أخبروا هيومن رايتس ووتش أنهم شعروا بالخطر محدقٍ بهم في موطنهم. كان بعضهم يخشى توقيف قوات الأمن له نتيجة لنشاطه السياسي أو مشاركته في الاحتجاجات المناوأة للحكومة. آخرون تركوا المكان تحاشياً لتجنيدهم إجبارياً في صفوف الجيش السوري، ومنهم من فر من الخدمة، مثلما فعل رقيبنا، بعد ما شهده من انتهاكات واستهداف للمدنيين. البعض ممن تركوا الجيش انضموا إلى جيش سوريا الحر المتمرد، الذي سرعان ما تركوه بدوره لما يقولون أنهم قد شعروا به من تمييز ضدهم كأكراد وبأنهم لم يكونوا موضع ثقة.

أجرى باحثوا هيومن رايتس ووتش الذين سافروا إلى شمال العراق في شهر إبريل/نيسان مقابلات مع ما يزيد على 30 لاجئ كردي سوري، وصفوا خلالها الأحداث المريرة التي كانوا شهوداً عليها في موطنهم.

لاجئ في السابعة عشر من عمره في مخيم آخر للاجئين هو "مـُقـَبْلي" أطلعنا على جروحه التي أصيب بها حينما أطلقت قوات الأمن النار عليه خلال احتجاج سلمي في قَمِشْلي يوم 12 مارس/أذار فيما كان يساعد جندياً جريحاً كان يحاول الانشقاق. قال "حالما أصبحت قادراً على السير عَرَجاً، سلكت طريقي باتجاه الحدود"، وأضاف "كنت في شدة الخوف من أن يكون الجيش قد شرع في البحث عني".

فيما قال هارب آخر من خدمة الجيش أن كتيبته أوقفت 30 رجلاً في الرستن بمحافظة حمص خلال الغارات التي شنتها على المنازل في إحدى ليالي شهر يونيو/حزيران انتقاماً لمقتل جندي في التاسعة عشر من عمره يدعى عمر حمزة. وأضاف أنه عقب مقتل الجندي قال العميد قائد الفوج 41 "علينا ألا نترك دم عمر يضيع سدىً، لا بد من القصاص". وقد تم استجواب الرجال الثلاثين ثم اقتيادهم في وقت لاحق من تلك الليلة إلى الشارع الرئيسي، مصفدين ومعصوبي الأعين. وبعد إجبارهم على الجثو أرضاً على ركبهم، قام العميد واثنين آخرين من الجند بإعدامهم باستخدام البنادق الآلية. ومضى الجندي الهارب قائلاً "مازالت تعاودني مشاهد ذلك الحدث" "أعلم أن ذلك قد وقع غير أني ما زلت لا أصدق ما رأيت".

ذكر ناشط سياسي كردي في الثالثة والعشرين من عمره كان يعيش في دمشق، أنه قد تم توقيفه في شهر يوليو/تموز الماضي، وتعرض للضرب بقسوة لكونه معروفاً جيداً لدى السلطات كمشارك معتاد في الاحتجاجات. ولم يخلي سبيله إلا عقب توقيعه لتعهد بالإحجام عن المشاركة في أية احتجاجات في المستقبل. وقال الناشط "في السجن أخذوا في ركلي بشدة أحسست معها وكأنهم يلعبون كرة القدم بجسمي" وأضاف "كذلك أخذوا في توجيه الصفعات والضربات إلي؛ لم تكن معاملتهم لي أفضل من معاملة كلب".

عبور الحدود

أخبرنا العديد من الأكراد، أكبر الأقليات العرقية في سوريا، إنه كان عليهم للهروب من تلك الأهوال أن يدفعوا مئات الدولارات لأدلة الطرق لمساعدتهم في أن يجدوا طريقهم عبر الحدود من خلال نقاط عبور، بخلاف الرسمية منها، إلى العراق، وهو بلد عرف بتصدير اللاجئين وليس استقبالهم. وكثيراً ما كانت رحلاتهم التي امتدت لساعات سيراً على الأقدام محفوفة بالمخاطر. كذلك قال اللاجئون أن الحراس السوريين أطلقوا النار عليهم في بعض الحالات عند بلوغهم الحدود.

وقال أحد النشطاء ويبلغ من العمر 19 عاماً أن دورية من خفر الحدود السوريين أطلقت النار باتجاه مجموعته المكونة من 37 من طالبي اللجوء في الثانية من صباح يوم 8 إبريل/نيسان وكانوا على بعد 400 متر تقريباً من الحدود. كذلك قال "كانت دائرة النار صادرة من قاعدة لخفر الحدود باتجاهنا". "رأيت اثنين من مجموعتنا عند إصابتهم بالطلقات وسقوطهم على الأرض. لست أدري ما إذا كانا قد نجيا، إذ كنا قد تبعثرنا عقب ذلك في اتجاهات شتى".

أقيم مخيم دوميز في بواكير شهر إبريل/نيسان. قبلها كان العديد من أفواج القادمين الجدد يتجهون إلى مخيم مقبلي، وهو مخيم كان يشغله مسبقاً الأكراد الذين فروا من سوريا في عام 2004 في أعقاب الإجراءات الصارمة التي اتخذتها ضدهم قوات الأمن. وقد بدأت السلطات المحلية في نقل الوافدين الجدد إلى مخيم دوميز في وقت مبكر من شهر إبريل/نيسان.

ومع بلوغ عدد الوافدين إلى دوميز يومياً إلى نحو الخمسين، أخذت السلطات المحلية ومنظمات الإغاثة، ومن بينها مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين ومنظمة الهجرة الدولية، تناضل لمواكبة تدفق النازحين. ويعتري القلق تلك الهيئات تجاه قدرتها على سد ما قد يحمله المستقبل من مطالب، وخاصة ما يتعلق منها بالمؤن الغذائية.

ذلك فيما يحيا لاجئون آخرون خارج تلك المخيمات في مناطق أخرى من كردستان العراق، حيث يوجد أصدقاء أو أقرباء لهم، أو حيثما تكون فرصة العثور على وظيفة أكبر. وفي تقدير السلطات المحلية أنه قد انتقل ما يصل لزهاء 5000 من اللاجئين السوريين إلى كردستان العراق منذ بداية العام.

على الرغم من أن اللاجئين ينعمون الآن بالأمن في العراق، إلا أنهم قالوا أنهم قلقون بشأن من خلفوا وراءهم من الأحباء، وبشأن ما يخبأه المستقبل لبلدهم. كذلك قالوا أنهم يريدون العودة إلى سوريا بمجرد أن تتحسن الأوضاع غير أنهم يخشون استمرار مواجهتهم ومجتمعهم الكردي في سوريا لتحديات عديدة وكذا للتمييز، بصرف النظر عمن يقود بلدهم.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة