Skip to main content

مصر: حملة قمعية منهجية قبل أيام من الانتخابات

اعتقالات جماعية وأعمال ترهيب وقيود على الحملات الانتخابية.. تثير التساؤلات حول نزاهة النتائج

(القاهرة) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن السلطات المصرية أجرت عمليات اعتقال جماعية تعسفية وفرضت قيوداً بالجملة على الحملات الانتخابية مع اللجوء إلى ترهيب مرشحي ونشطاء المعارضة، في الأسابيع السابقة على الانتخابات البرلمانية في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2010. وترى هيومن رايتس ووتش أن هذا القمع يجعل من غير المرجح انعقاد انتخابات حرة ونزيهة.

تقرير "الانتخابات في مصر: حالة الطوارئ الدائمة لا تتفق مع الانتخابات الحرة والنزيهة" الذي جاء في 24 صفحة، يوثق المعايير المبهمة وغير الموضوعية الواردة في قانون الأحزاب السياسية المصري والتي تسمح للحكومة والحزب الحاكم بإعاقة تشكيل الأحزاب السياسية الجديدة. و تخضع مصر لقانون الطوارئ منذ عام 1981، وهو القانون الذي منح مسؤولي الأمن صلاحيات مطلقة في حظر أو تفريق المسيرات والمظاهرات والتجمعات العامة المتعلقة بالانتخابات، أو احتجاز الأفراد دون أجل مسمى ودون نسب اتهامات إليهم.

بالنسبة لهذه الانتخابات، على النقيض من انتخابات السنوات العشر السابقة، قيدت الحكومة كثيراً من الإشراف القضائي المستقل، إثر تعديلات دستورية طرأت عام 2007 تعرضت بموجبها الحريات السياسية للمزيد من التآكل. وقد رفضت الحكومة الدعوات بوجود مراقبين دوليين، مع إصرارها على أن منظمات المجتمع المدني المصرية هي التي ستضمن الشفافية. إلا أنه حتى 24 نوفمبر/تشرين الثاني، لم يكن التحالفان الأساسيان من منظمات المجتمع المدني المعنية بمراقبة الانتخابات، قد حصلا على أي تصريح بالمراقبة من التصاريح الـ 2200 التي تم طلبها لمراقبة عملية التصويت وفرز الأصوات.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "هذا المزيج من القوانين التقييدية وأعمال الترهيب والاعتقالات التعسفية، يجعل من الصعب للغاية على المواطنين اختيار نوابهم في البرلمان بحرية. القمع الحكومي يضيق كثيراً من احتمالات انعقاد انتخابات حرة ونزيهة بداية الأسبوع القادم".

ولا تقوم هيومن رايتس ووتش بمراقبة عملية الاقتراع أو فرز الأصوات في الانتخابات المصرية. وكما فعلت في أماكن أخرى من العالم، فاهتمامها مقتصر على توثيق الانتهاكات الممنهجة للحق في حرية التعبير وحرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات - وهي حقوق أساسية ولا غنى عنها من أجل إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

الاعتقالات الجماعية بحق نشطاء المعارضة واعتراض سير الحملات الانتخابية

منذ إعلان الإخوان المسلمين في 9 أكتوبر/تشرين الأول أن أعضاء الجماعة سينافسون على 30 في المائة من مقاعد مجلس الشعب بصفة مستقلين، قامت قوات الأمن بالقبض على المئات من أعضاء الجماعة، وأغلبهم مؤيدين للمرشحين كانوا يوزعون مطبوعات أو يعلقون لافتات للمرشحين. في 24 نوفمبر/تشرين الثاني قال عبد المنعم مقصود، محامي ا  الجماعة، لـ هيومن رايتس ووتش إن قوات الأمن قبضت على 1306 عضواً من الإخوان المسلمين حتى الآن، منهم خمسة مرشحين، وأنه تم عرض 702 عضواً على النيابة، مع الإفراج عن البقية واعتقال اثنين آخرين تحت قانون الطوارئ. وتقول الحكومة بأن أنشطة الجماعة تخرق القوانين المصرية التي تحظر النشاط السياسي من منطلق ديني.

وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع 14 مؤيداً للإخوان المسلمين، كل على انفراد، من دائرة انتخابية في الإسكندرية وثلاث دوائر في القاهرة. وقدموا روايات متسقة فيما بينها، عن القبض على كل منهم بعد المشاركة في أنشطة عادية متعلقة بالحملات الانتخابية - من المشاركة في جولات الحملة الانتخابية وتوزيع المطبوعات دعماً للمرشحين، أو تعليق لافتات المرشحين. وقام رجال شرطة في ثياب رسمية، في أغلب الأحيان برفقة عناصر من أمن الدولة في ثياب مدنية، باعتراض أو تفريق الحشود الخاصة بمرشحي الإخوان، وأحياناً باستخدام القوة، لتفريق المسيرات والتجمعات. وكانت أعمال الترهيب ظاهرة بشكل استثنائي في الإسكندرية.

وقال جو ستورك: "للمرشحين المستقلين نفس حقوق مرشحي الحزب الحاكم في عمل الحملات الانتخابية". وتابع: "توقيت هذه الاعتقالات واعتراض سير الفعاليات الانتخابية يجعل من الواضح أن الغرض من الاعتقالات هو منع المعارضة السياسية من تنظيم حملات دعائية فعالة للانتخابات".

كما استهدفت قوات الأمن نشطاء سياسيين آخرين. في المنوفية، قبضت قوات الأمن على كل من خالد أدهم ومحمد أشرف وأحمد جابر، وهم ثلاثة نشطاء تابعين للجمعية الوطنية للتغيير، وكانوا يجمعون التوقيعات لوثيقة لدعم حركة التغيير السياسي التي يترأسها محمد البرادعي، الذي يقود تحالفاً من النشطاء للمطالبة بوضع حد لقانون الطوارئ وللمطالبة بالإصلاحات القانونية. واحتجزت السلطات هؤلاء الرجال الثلاثة لمدة يومين ونصف، قبل أن تفرج عنهم دون نسب اتهامات إليهم.

وبموجب القانون الدولي، فإنه لا يمكن الحد من حرية التعبير أو حرية تكوين الجمعيات إلا في حالات استثنائية مُعرفة، متعلقة بالحفاظ على النظام العام، ويجب أن تكون القيود متناسبة مع الحاجة للتقييد. والحظر على أي منظمة لمجرد مواقفها السياسية، وحقيقة أنها تستخدم الدين أو تتبنى مبادئ دينية، ليس بالسبب المشروع للحد من حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ويحق للحكومات أن تفرض الحظر على الأحزاب التي تستخدم العنف أو تروج لاستخدامه، لكن مزاعم الحكومة في هذا الشأن تحتاج إلى إثبات عملي قوي. فضلا ‘ن أن بإمكان السلطات القبض على الأفراد المسؤولين عن أعمال إجرامية معينة واحتجازهم، لكن ليس لمجرد عضويتهم في أو دعمهم لمنظمة سياسية قررت الحكومة أن تعتبرها غير قانونية.

نقص الإشراف المستقل وعدم إصدار تصاريح المراقبة لمنظمات المجتمع المدني

التعديلات الدستورية لعام 2007 حدت كثيراً من الإشراف القضائي على الانتخابات، وهو الإشراف الذي كان الدستور ينص عليه فيما سبق. وكان قد صدر حُكم من المحكمة الدستورية العليا عام 2000 ينص على ضرورة الإشراف القضائي الكامل على كل صناديق الاقتراع، لكن تعديل 2007 للمادة 88 من الدستور، حد من هذا الإشراف على "اللجان العامة" وتواجد القضاة فيها محدود.

ورغم أن المسؤولين المصريين قالوا إن منظمات المجتمع المدني المصرية هي التي ستراقب الانتخابات البرلمانية، فثمة تقرير تم تسريبه من المجلس القومي لحقوق الإنسان - شبه الرسمي - عن انتخابات مجلس الشورى في 1 يونيو/حزيران 2010، يُلقي بالشكوك على هذه الفرضية. التقرير ينتقد اللجنة العليا للانتخابات، المسؤولة رسمياً عن إدارة الانتخابات، كونها رفضت إصدار 3413 تصريحاً بالمراقبة من بين 4821 طلباً بالمراقبة من قبل منظمات المجتمع المدني المصرية.

وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات في 22 نوفمبر/تشرين الثاني إنها ستُصدر تصاريح للانتخابات البرلمانية، وحصلت بعض المنظمات على نسبة قليلة من التصاريح التي طلبتها. لكن حتى 24 نوفمبر/تشرين الثاني، فإن أحد التحالفين الأساسيين للمراقبين، ويضم المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ودار الخدمات النقابية والعمالية، لم يكن قد تلقى رداً على طلبه بـ 1113 تصريح مراقبة. وهناك تحالف آخر يضم الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز نظرة، لم يتلق رداً على طلبه بـ 1116 تصريحاً. كما ذكرت اللجنة أن دخول المراقبين إلى اللجان  سيعتمد على موافقة رئيس اللجنة، مع حظر التصوير الفوتوغرافي.

وقال جو ستورك: "لقد رفضت الحكومة المصرية مراراً دعوات السماح بالمراقبين الدوليين بصفة أن هذا الإجراء تدخل، مصرة على أن المجتمع المدني المصري هو الذي سيراقب". وأضاف: "لكن قبل أربعة أيام من الانتخابات، فإن 123 منظمة من التحالفين الأساسيين لمراقبة الانتخابات لم يتلقيا تصريحاً واحداً من 2229 تصريحاً مطلوباً".

عدم تنفيذ أحكام المحاكم بإعادة المرشحين للتنافس

في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، حكمت محكمة إدارية بإعادة عشرات المرشحين للتنافس في الانتخابات، وكان قد تم رفض ترشحهم من قبل اللجنة العليا للانتخابات. في 17 نوفمبر/تشرين الثاني قالت اللجنة على موقعها الإلكتروني إن الحُكم واجب التنفيذ. لكن وزارة الداخلية مسؤولة عن إصدار تصريح رسمي، وهو ما لم تكن قد فعلته حتى 23 نوفمبر/تشرين الثاني.

رفضت وزارة الداخلية تنفيذ أوامر المحكمة الإدارية في أثناء النظر في الطعون. اللواء رفعت قمصان، مسؤول بمكتب الانتخابات بوزارة الداخلية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الوزارة قد أعادت قيد 64 مرشحاً. وقال إن الوزارة "لا اعتراض لديها على تنفيذ أية أحكام" لكن "يمكن لأي أحد مهتم بالقضايا أن يطعن في الأحكام".

أحمد فوزي، من الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الوزارة عليها تنفيذ أحكام المحكمة على الفور لأن المحكمة الإدارية هي الوحيدة القادرة على الأمر بوقف التنفيذ، وأن الاستشكالات مُقدمة أمام محاكم غير مختصة بالنظر فيها. في رأيه، فإن  هذا يعكس الخطة الرسمية الخاصة بتأخير التنفيذ.

حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، قال لـ هيومن رايتس ووتش إنه قد تم شطب 350 مرشحاً ثم أعادتهم المحكمة، لكنه لا يعرف إلا بمرشح واحد فقط من بينهم  مُنح بالفعل التصريح من وزارة الداخلية بالعودة للمنافسة على الانتخابات. من المرشحين العالقين، هناك 14 مرشحاً من الإخوان المسلمين. وفي الإسكندرية، فإن أربعة من المرشحين الإخوان الثمانية الذين حكمت المحكمة بعودتهم، لم يتمكنوا بعد من الحصول على رقم أو رمز لتأكيد أنهم ضمن قوائم المرشحين، على حد قول صبحي صالح، نائب برلماني على صلة بالإخوان، لـ هيومن رايتس ووتش.

مضايقة الصحفيين

في 21 نوفمبر/تشرين الثاني قام مسؤولو الأمن باحتجاز 4 مراسلين صحفيين لمدة نصف ساعة، كانوا يغطون مسيرة في شبرا الخيمة، شمالي القاهرة، لمرشح إخواني. وقالت صحفية طلبت عدم ذكر اسمها، لـ هيومن رايتس ووتش، إن ضابط أمن أوقف المجموعة وقال لها إنها بحاجة لتصريح لتغطية أية أنشطة خاصة بالحملات وإن عليها التنسيق مع الشرطة أثناء العمل الميداني.

أشرف خليل، الصحفي بجريدة المصري اليوم، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن الضابط قال للمجموعة إنهم بحاجة لتصريح خاص من أجل تغطية الفعاليات في الشارع. وكتب خليل فيما بعد في المصري اليوم إن الأمر "كان إزعاجاً أكثر منها ترهيباً، وبيروقراطية أكثر منه بلطجة. لكن ما حدث معي ومع زملائي الصحفيين ليلة الأحد كان بمثابة نافذة على أشكال الترهيب المؤسفة التي يلجأ إليها النظام بشكل منهجي في تقليص الملعب السياسي المحلي والحد من أنشطة الصحفيين الأجانب".

وفي مؤتمر صحفي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني في القاهرة، قال اللواء قمصان للصحفيين: "عندما تصبحون طرفاً في خلافات المرشحين وإذا خرقت الخلافات القانون، فسوف يكون لنا رد وربما تتورطون فيه. إننا حريصون على تمكين الجميع من أداء عملهم. لكننا حذرون للغاية رغبة في منع أعمال العنف التي قد يتسبب فيها أنصار المرشحين".

لم يقل أي من المراسلين الذين تم التحفظ عليهم في شبرا إنهم تعرضوا للتهديد من قبل الناشطين في الحملات الانتخابية للمرشحين أو أنصارهم، أو أنهم كانوا بحاجة للحماية من مسؤولي الأمن.

وقال جو ستورك: "بدلاً من التنظير حول تورط المراسلين الصحفيين في نزاعات محتملة، فإن مصر بحاجة لمنح الصحفيين حرية الوصول للفعاليات العامة دون ترهيب أو تهديد، حتى يتمكنون من أداء عملهم".

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة