Skip to main content

[سبق نشر المقال في مجلة سِجل الأردنية]

البحرين واحدة من تلك الدول العربية، مثل المغرب والأردن، حيث خلف الابن والده على ولاية العرش قبل عقد من الزمن أو أكثر، وبشّر هؤلاء الأبناء بالإصلاحات، إلى جانب وعود بالاحترام الكامل للحقوق الإنسانية الأساسية. ومع ذلك، كشفت هذه "الملَكيات الإصلاحية" كافة، عن وجود حدود حقيقية لحماستها الإصلاحية في مناطق أساسية، مثل القضاء على التعذيب وإساءة معاملة المشتبَه بهم أمنياً.

وقد تميزت البحرين من بين هذه الدول لأنها نجحت، وفقاً للأدلة المتوفرة، في وضع حد لاستخدام التعذيب خلال جزء كبير من العقد الماضي. هذا الواقع يجعل من الأكثر إحباطاً أن يترتب علينا نشر تقاريرنا المتضمّنة أدلة على أن التعذيب لغاية انتزاع الاعترافات، قد عاد الآن إلى مقر الإدارة العامة للتحقيقات والمباحث الجنائية في البحرين، وهي فرع من وزارة الداخلية.

وكنت قد أمضيت أكثر من أسبوع في المنامة في أوائل شباط/فبراير، حيث عقدت منظمة هيومن رايتس ووتش مؤتمراً صحفياً لإطلاق تقريرها عن التعذيب، الذي كنت قد ساعدتُ في إعداده وصياغته. ولم يكن مثل هذا الحدث ممكناً قبل 10 سنوات أو 15 سنة مضت، وهو يشكل شهادة على دوام بعض الإصلاحات، وعلى مثابرة الناشطين البحرينيين في مجال حقوق الإنسان.

وبذلك، أدحض أي زعم بأن البحرين قد عادت إلى "الأيام القديمة السيئة"، عندما كان انتقادُكَ للحكومة يفضي إلى طردك من عملك (إذا كنت محظوظاً كفاية ليكون لك عمل(، وإلى قضائك فترة مطوّلة في السجن بعد محاكمة غير عادلة في محكمة أمنية حكومية. الآن، أصبحت المحاكمُ الحكومية الأمنية في البحرين جزءاًً من التاريخ بحمد الله، وأصبح هامش حرية التعبير أفضل مما كان عليه، ولو أنه ليس عظيماً. ولكن، ماذا عن التعذيب؟ ولماذا عاد هذا البلاء المريع مرة أخرى ليصبح مشكلة في البحرين.

في لقائنا الذي تم بُعيد مؤتمرنا الصحفي، أخبرني وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، أن الوزارة تحقق في كل المزاعم حول حدوث انتهاكات، وأنها سوف تفعل ذلك مرة أخرى. لكنّ أيّاً من وزارته أو وزارة العدل لم تستجب لطلبنا، قبل أشهر، معلوماتٍ عن أي تحقيقات تجري حول مزاعم التعذيب، ولم يستطع أي مسؤول حتى هذا الوقت ذكر حادثة مفردة من هذا القبيل.

بعد أن ظهر تقريرنا المذكور، أصدر وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة تصريحاً يقول فيه إن الحكومة سوف تحقق في هذه المزاعم، وتتخذ "الإجراءات الضرورية" في حال وجدت انتهاكات. لكن التصريح العام لوزارة الداخلية أنكر تماماً حدوث أي تعذيب، وقال إن مثل هذه المزاعم تأتي نتيجة دوافع سياسية، وأن منظمة هيومن رايتس ووتش لم تقدم أي دليل يؤيد هذه المزاعم، كما جاء في تصريح وزارة الداخلية.

تكوّنت أدلّتنا، بالإضافة إلى شهادات الضحايا المنسجمة التي رصدناها، من وثائق محاكم وتقارير صادرة من أطباء الحكومة، والتي كشفت كلها وبثبات أدلة، عن وجود إصابات تتفق في وصفها مع مزاعم المعتقلين السابقين، الذين أفادوا بأنهم كانوا يُعلَّقون في أوضاع مؤلمة ويتعرضون للضرب. كما زعم الكثيرون منهم أيضاً بأنهم قد تعرضوا للتعذيب باستخدام الصدمات الكهربائية.

إن الإخفاق الذريع للسلطات البحرينية حتى الآن في التحقيق في هذه المزاعم، يعود إلى جوهر السبب في أن يطل التعذيب برأسه البشعة مرة أخرى. فلعقود عدة خلت، كانت البحرين تستحق سمعتها كبلد يمارس التعذيب بشكل نهجي، لكنها استطاعت العام 2005 أن تزعم، محقّةً، أمام لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، بأن هذه الممارسة لم تعد موجودة هناك.

كانت تلك سنوات تتسم بهدوء سياسي نسبي. لكن احتجاجات الشوارع بسبب تمييز مزعوم يمارَس ضد مجتمع الأغلبية الشيعية في البلد، أصبحت أكثر تكراراً منذ العام 2007 ، وتحولت غالباً إلى صدامات مع قوات الأمن. وكان ذلك هو الوقت الذي بدأنا نسمع فيه، بتكرار مقلق، مزاعم عن وجود إساءات منهجية. وقد أحال بعض المدّعين العامين أولئك الذين يقدّمون تلك الشكاوى بالتعرض للإساءة، إلى فحوصات طبية يجريها أطباء حكوميون تابعون لمكتب المدعي العام. ومع ذلك، كان مدّعون عامون آخرون يُخفقون بإصرار في تحمُّل مسؤولياتهم وفق القانون البحريني في ما يتعلق بهذه الإحالات، مثل هذه الإحالات، وحسب معرفتنا، فإن المدعي العام، بوصفه رئيس هيئة الادعاء العام، لم يتحمل مسؤولياته ولو في قضية واحدة وفق القانون، فيأمر بإجراء تحقيق جرْمي في هذه المزاعم. وتستمر هذه الإساءات بالحدوث في ظل الحصانة المقيمة التي تتمتع بها هذه الانتهاكات الخطيرة.

في لقائي مع وزير الداخلية الشيخ راشد، أكد الوزير الحاجة إلى وجود الانضباط في المجتمع، مشيراً إلى التزام مسؤولي فرض القانون بحماية الأرواح والممتلكات في وجه اضطرابات الشوارع. وأجبت أنني أتفق معه تماماً على ذلك، وأن غياب الانضباط والمسؤولية هو السبب الكامن وراء إعادة انبعاث التعذيب، حيث يلجأ ضباط الأمن إلى التكتيكات القديمة بغية الحصول على الاعترافات بأي تكلفة.

ينبغي لهذا الأمر أن يتغير، ويجب أن يأتي التغيير من القمة.

جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة