Skip to main content

مصر وليبيا: عام من الانتهاكات الجسيمة

ما زال حَمَلَة رسالة حقوق الإنسان عرضة للخطر بشكل استثنائي في الدولتين

(القاهرة، 24 يناير/كانون الثاني 2010) - قالت هيومن رايتس ووتش اليوم في تقريرها العالمي لعام 2010، إن على مصر أن تُلغي قانون الطوارئ شديد التعسف وأن تقوم بتسوية نتهاكات قوات الأمن، كأولويات لعام 2010. وعلى ليبيا أن تُفرج عن السجناء وأن تُعدّل القوانين التي تُجرّم حرية التعبير وتكوين الجمعيات.

التقرير الذي جاء في 612 صفحة هو التقرير السنوي العشرين لـ هيومن رايتس ووتش الذي يعرض ممارسات حقوق الإنسان في شتى أرجاء العالم، ويُلخص أهم توجهات حقوق الإنسان في أكثر من 90 دولة ومنطقة في شتى أنحاء المعمورة. وتمت مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في دول المنطقة، ومنها مصر وليبيا. ويعاني المصريون من التعذيب والانتهاكات والحبس التعسفي على أيدي قوات الأمن، على حد قول هيومن رايتس ووتش. ودعت هيومن رايتس ووتش الحكومة المصرية إلى رفع حالة الطوارئ التي تفرض بموجبها السلطات قيوداً بالغة التشدد على حقوق المصريين في التجمع والتعبير، وأن تُجدد وتُعدل كثيراً من أساليب إجراء قوات الأمن لعملياتها ومن إجراءات مساءلة قوات الأمن.

وفيما يخص ليبيا، فقد طالبت هيومن رايتس ووتش أيضاً الحكومة الليبية بالإفراج فوراً عن السجناء المحتجزين ظلماً، وأن تكشف عن مصير السجناء المختفين، مع إحقاق العدل لصالح أهالي الضحايا السجناء البالغ عددهم 1200 الذين قُتلوا عام 1996 في سجن بوسليم، وأن تصلح من القوانين التي تُجرّم حرية التعبير وتكوين الجمعيات.

وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "سوف يدقق مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2010 بكل إمعان في سجل حقوق الإنسان في كل من مصر وليبيا"، وتابعت: "وعلى الأمن المصري أن يفهم أن سلوكه المُنتهك للقانون يؤكد صورة مصر كدولة بوليسية، فيما تستمر قوات الأمن الليبية في الهيمنة على الساحة السياسية في ليبيا في ظل أجواء من الخوف".

مصر

تكرر عدم وفاء الحكومة بوعودها بإلغاء قانون الطوارئ سيئ السمعة، وبموجبه يُسمح بالاحتجاز التعسفي دون أمر  قضائى مع إجراء محاكمات أمام محاكم "أمنية" جائرة. ولم تؤكد الحكومة مطلقاً عدد المحتجزين بموجب هذا القانون، لكن منظمات حقوق الإنسان المصرية تُقدر أن العدد يتراوح بين 5000 إلى 10 آلاف شخص محتجزين دون نسب اتهامات إليهم. وتستخدم السلطات محاكم أمن الدولة للنظر في القضايا الهامة والخطيرة. وتنخرط الشرطة وقوات الأمن بشكل منهجي في التعذيب وممارسة القسوة بأقسام الشرطة ومراكز الاحتجاز وأثناء القبض على الأفراد.

وقالت سارة ليا ويتسن: "من المروع أن قوات الأمن تُفلت من العقاب جراء ممارستها للانتهاكات بحق المواطنين المصريين تحت لواء غريب حقاً هو حالة الطوارئ "الدائمة"، ودون كلمة انتقاد واحدة حتى من النصير الأول لمصر، وهي الولايات المتحدة".

ومن ينتقدون الممارسات المسيئة لقوات الأمن والحكومة يتعرضون للاعتقال والمضايقات، ومنهم المدونين والصحفيين، كريم عامر، مدون واسمه الحقيقي عبد الكريم نبيل سليمان، محتجز في سجن برج العرب بالإسكندرية منذ 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 جراء كتابته عن التوترات الطائفية في الإسكندرية وانتقاده الرئيس حسني مبارك ومؤسسة الأزهر الدينية. هاني نظير، مدون أبدى آراء تنتقد المسيحية والإسلام، هو رهن الاحتجاز في برج العرب منذ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2008، وممنوع من الزيارات.

وفي 15 يناير/كانون الثاني 2010، اعتقلت عناصر أمنية مجموعة من المدونين والناشطين كانوا في طريقهم إلى نجع حمادي لتقديم التعازي لأهالي الأقباط الستة الذي قُتلوا بأعيرة نارية عشية عيد الميلاد القبطي. ونُسب إليهم الاتهام بترديد شعارات ضد الدولة.

وشهد عام 2009 زيادة ملحوظة في مضايقة نشطاء حقوق الإنسان بمطار القاهرة. فقد احتجز مسؤولو الأمن بالمطار مدونين مثل وائل عباس، واحتجزوا نشطاء حقوقيين مثل كمال عباس من دار الخدمات النقابية والعمالية. كما منعوا صحفيين أجنبيين اثنين من دخول مصر، وكانا قد كتبا عن النشاط الحقوقي للعمال وشاركوا في الاحتجاجات.

وقالت سارة ليا ويتسن: "كبادرة أولى تُظهر النية الحسنة، على مصر أن تُفرج عن كريم عامر وهاني نظير وأن تدع المصريين يبدون آرائهم بحرية". وأضافت: "أفضل سبيل لإظهار احترام الحكومة لمواطنيها هو الكف عن الإساءة إليهم".

وبدأ العام بنموذج مُقلق على تزايد التوترات الدينية في البلاد، وتجسدت مؤخراً في مقتل ستة أقباط مسيحيين في نجع حمادي يوم 6 يناير/كانون الثاني. واعتقلت الشرطة ثلاثة مشتبهين، اتهمتهم نيابة شمال قنا بـ "القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن على مدار السنوات الماضية، أخفقت الحكومة في التحقيق على النحو الواجب مع المسؤولين عن عدد متزايد من حوادث العنف الطائفي، وملاحقتهم قضائياً.

وكثيراً ما ردت السلطات على حوادث العنف الطائفي بين المسلمين والأقباط باعتقال  أشخاص يُشتبه في تورطهم في الحوادث، لكن الادعاء كثيراً ما أخفق في ملاحقة المتهمين جنائياً على النحو الواجب ومعاقبة المتورطين، وظهرت تقارير تفيد بأن قوات الأمن لم تقم بحماية الفئات المعرضة لخطر الهجوم. كما قصرت الحكومة في دعم حملة مطلوبة بشدة من أجل احترام وقبول التنوع الديني لمناوئة الآراء السلبية المتبادلة الشائعة بين اتباع الدينين والتحريض على الكراهية الدينية في المناهج الدراسية والإعلام والمؤسسات الدينية.

وفي تطور إيجابي في 9 مارس/آذار 2009، أصدرت وزارة الداخلية قراراً يسمح للبهائيين وأتباع الطوائف الدينية الأخرى "غير المعترف بها" بالحصول على أوراق الهوية الضرورية دون الاضطرار للاختيار ما بين المسيحية والإسلام كديانة في هذه الأوراق.

كما انتهكت السلطات المصرية قوانين اللجوء الدولية أثناء عام 2009، بما في ذلك إطلاق حرس الحدود في مرات عدّة النار على 17 مهاجراً على الأقل - سقطوا قتلى - أثناء محاولتهم العبور من سيناء إلى إسرائيل، ورفضت مصر السماح لمسؤولين من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بالأمم المتحدة بمقابلة اللاجئين والمهاجرين المحتجزين.

ليبيا

وقعت بعض التطورات الهامة عام 2009، منها التعديل المُقترح على قانون العقوبات، وإقرار المسؤولين بوفاة مئات الأشخاص المختفين في عام 1996، وتسامح أوسع إزاء الاحتجاج العلني من أهالي الضحايا الساعين للكشف عن تفاصيل وفاة أقاربهم في السجن والانتصاف لمقتلهم. لكن الحكومة مستمرة في حبس الأفراد جراء انتقاد النظام السياسي الليبي أو رئيسه، معمر القذافي، وتفرض قيوداً مشددة على حرية التجمع والتعبير، بما في ذلك أحكام في قانون العقوبات تجرم "إهانة المسؤولين العامين".

وقالت سارة ليا ويتسن: "هذا العام اعترفت ليبيا رسمياً بمقتل مئات الأشخاص المختفين وتقدمت بعروض لإصلاح قانون العقوبات وقانون الجمعيات". وأضافت: "ولكن ليبيا  بحاجة لحماية حقوق الليبيين في إبداء آرائهم دون سيف العقاب المسلط على رقابهم، وفي الاجتماع سلمياً بالليبيين الآخرين والأجانب حسبما شاءوا".

ودعت هيومن رايتس ووتش إلى مراجعة قانون العقوبات بحيث يتم استبعاد العقوبات التى تجرم الخطاب الانتقادي. وفيما تقل العقوبات على  بعض الجرائم من الإعدام إلى الحبس في مشروع القانون الجديد، فإن التعديل لا يمس الأحكام التي تُجرّم حرية التعبير وتكوين الجمعيات التي تتجاوز "مبادئ الثورة".

وتحتجز ليبيا عدداً من السجناء السياسيين جراء تعليقاتهم العلنية. في ديسمبر/كانون الأول اعتقلت السلطات جمال الحاجي، السجين السياسي السابق، جراء إبداء الانتقاد علناً لانتهاكات حقوق الإنسان. وعبد الناصر الرباصي يمضي عقوبة سجن لمدة 15 عاماً فُرضت عليه عام 2003 لكتابة رواية عن الفساد وحقوق الإنسان. وفي مايو/أيار توفى فتحي الجهمي - أبرز سجين سياسي ليبي - في مستشفى بالأردن عن عمر يناهز 69 عاماً، بعد ستة أعوام ونصف العام في السجن.

وقالت سارة ليا ويتسن: "أول شيء يجب أن تفعله الحكومة الليبية هو الإفراج عن الحاجي والرباصي". وأضافت: "حبسهم يعتبر بمثابة تراجع خطير للخلف على مسار الإصلاح الليبي المُعلن".

وكانت انتهاكات قوات الأمن أبرز انتهاكات حقوق الإنسان هذا العام، وولدت انتقادات فورية لم يُحسب حسابها من وزير العدل وجمعية حقوق الانسان بمؤسسة القذافي برئاسة ابن القائد. رئيس الأمن الداخلي أكد لـ هيومن رايتس ووتش في ديسمبر/كانون الأول إن جهازه يحتجز 330 سجيناً أتمّوا الأحكام الصادرة بحقهم أو برأتهم المحاكم الليبية، دون سند قانوني واضح. الجهاز، التابع للجنة الشعبية العامة للأمن العام، يسيطر على سجنين، هما عين زارة وبوسليم، حيث يحتجز السجناء "الأمنيين". ورفض الجهاز تنفيذ أوامر القضاء بإخلاء سبيل هؤلاء السجناء، رغم مطالبات من أمين العدل بالإفراج عنهم.

كما تواجه ليبيا اختباراً هاماً لمدى جدية تحقيق الحكومة في مذبحة سجن بوسليم في 29 يونيو/حزيران 1996. فعلى مدار العام الماضي، بدأت السلطات الليبية في إخطار الأهالي بمقتل أقاربهم السجناء بإصدار شهادات وفاة، لكن دون تحديد سبب أو تاريخ الوفاة. وقد تظاهرت العائلات في بنغازي، المدينة التي كان منها الكثير من السجناء القتلى، وأصروا على ذكر حقيقة ما حدث ذلك اليوم علناً ومقاضاة المسؤولين عنه.

وقالت سارة ليا ويتسن: "أمرت المحاكم الليبية الحكومة بذكر حقيقة ما حدث، لكن وعود الحكومة بالتحقيق ذهبت هباء". وأضافت: "يجب أن يكون هذا العام هو العام الذي تمنح فيه الحكومة الليبية شعبها ما يريد: الحقيقة والعدالة".

وعقدت هيومن رايتس ووتش مؤتمراً صحفياً علنياً في طرابلس يوم 12 ديسمبر/كانون الأول لإصدار تقريرها "ليبيا: الحقيقة والعدالة لن تنتظر"، ويبحث التقرير في تطورات الأوضاع بليبيا على مدار الأعوام الخمس الماضية، وينتهي إلى أنه قد تم توسيع هامش حرية التعبير بعض الشيء رغم العقوبات الجنائية المشددة المفروضة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات ومحاولة التصدي لقضية مذبحة سجن بوسليم إلى حد ما بالإقرار بوفاة السجناء للمرة الأولى بعد 13 عاماً وتقديم التعويضات، لكن دون تحقيقات أو ملاحقات جنائية.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع