Skip to main content

هامش حرية التعبير في ليبيا تحت الاختبار

نُشر في: The Guardian

طرابلس - على مدار أيام قبل وصولنا إلى ليبيا لعقد أول مؤتمر صحفي تشهده البلاد عن حقوق الإنسان، رحت أتلقى الرسائل والمكالمات من ليبيين. فالمنشقون بالخارج حذروني من أن المؤتمر الصحفي فخ منصوب، وأن لا أحد سيتمكن من طرح أسئلة حقيقية. وسألني ليبيون في طرابلس عن التصاريح والأوراق التي يحتاجونها للوصول إلى قاعة المؤتمر الصحفي، وطلب مني سجناء سابقون وسيلة للاتصال بي، في حالة ما إذا أوقفهم أمن الفندق. كان حماس محسوساً يغمر الأجواء بسبب هذا المؤتمر الصحفي، الأول من نوعه لمنظمة مستقلة غير حكومية في ليبيا، وكان بمثابة الاختبار لهامش حريات جديد ما زال هشاً.

 البداية كانت مُقلقة، فالليلة السابقة على المؤتمر أوقف رجال الأمن الداخلي ثلاثة من أعضاء اللجنة الممثلة لأهالي السجناء المقتولين في مذبحة سجن بوسليم عام 1996، ومنعوهم من استقلال طائرة من بنغازي إلى طرابلس. وتم إيقاف اثنين آخرين على مسافة 350 كيلومتراً من بنغازي وأُمروا بعدم الاقتراب من طرابلس لمدة أسبوع. وتم إيقاف سجين سياسي سابق أمام الفندق وأُمر بالتوجه إلى بيته. ولم يتمكن أي من الصحفيين الدوليين من الحصول على تأشيرة دخول، سوى واحد.

تحدثنا بشكل واضح عن الإطار القانوني القمعي الذي يقيد حرية التعبير ويحظر عمل المنظمات المستقلة. وانتقدنا الأجهزة الأمنية جراء ما تقوم به من "إنفاذ للقانون" بشكل غير قانوني. وتحدثنا عن حق أهالي ضحايا مذبحة سجن بوسليم في معرفة حقيقة ما حدث، ورؤية الجناة يُعاقبون، والحصول على رفات أقاربهم الضحايا لدفنهم دفنة كريمة. كنا نعرف أن قاعة المؤتمر الصحفي ستكون عامرة برجال الأمن وأن من يحضرون قد يخشون طرح الأسئلة.

لكنهم تحدثوا. بعد بعض الأسئلة من صحفيين ليبيين مستقلين، رفع أول من حضروا من أهالي الضحايا يده بشجاعة ليقص قصة شقيقه الذي قُتل في مذبحة سجن بوسليم. إذ رفع صورة شقيقه وتحدث عن مكابدة ألم عدم معرفة مصيره طيلة 15 عاماً، وقال إنه حصل أخيراً على شهادة وفاة هذا العام، لا توجد فيها معلومات عن كيفية وفاة الشقيق. وبعد المؤتمر الصحفي قال إن رجال الأمن في القاعة استدعوه للاستجواب. وتمكن من العودة إلى بيته في بنغازي بأمان.

من صعب التوصل إلى استنتاجات عن أهمية وآثار مؤتمر صحفي واحد، أو ما إذا كان بشيراً بإصلاح سياسي حقيقي، نظراً لافتقاد الشفافية في دوائر صنع القرار الليبية. فصناعة القرار شخصية للغاية، من ثم فإن أي تحسنات تطرأ بصفة غير مقننة يمكن سحبها في أي وقت، مما يجعل المستقبل غير قابل للتنبؤ أو الاستشراف. وما زال المعلقون الليبيون يتجادلون حول هذه النقطة في مواقع لا حصر لها على الإنترنت. وقال لي أحد المحامين: "لا نفهم سبب وجود هذا الهامش المتاح لنا... ولقد كففت عن محاولة الفهم، لأن الأمر يتعلق بالرؤى والقرارات الشخصية لا أكثر. كل ما أعرفه أنهم ما إن يفسحون المجال بعض الشيء، فإننا ننتهز الفرصة ونضغط لتحقيق بعض المطالب المحددة، وأحياناً ما تحدث إصلاحات صغيرة".

لكن الواضح وما لا يوجد خلاف حوله هو شجاعة هؤلاء الأشخاص في ليبيا ممن يخاطرون؛ الكتاب من قبيل جمال الحاجي المسجون جراء شكوى قدمها عن تعرضه للتعذيب، والصحفيون الذين يُخضعون أنفسهم للمساءلة الجنائية جراء ما يكتبون، والسجناء السابقون الذين يناضلون للحصول على التعويض والإنصاف، والمحامون الذين يدأبون على الإفراج عن موكليهم بناء على أسباب إجرائية، ونضال أمين العدل من أجل الحفاظ على سيادة القانون، وأهالي بوسليم الذين ورغم معاناتهم الطويلة - أو ربما بسببها - مستعدون للمخاطرة بالتعرض للاعتقال مقابل مطالبتهم بالعدالة والكرامة علناً. ففي مواجهة قوانين تفرض عقوبات مشددة على من ينتقد المسؤولين ورجال الأمن أصحاب الحضور القوي، الذين يعملون على استمرار معاناة المنتقدين من الخوف على سلامتهم، نجد أن شجاعة هؤلاء مدهشة.

لسنوات كان الليبيون يخشون التواصل مع العالم الخارجي خوفاً من خطر السجن بموجب قوانين تحظر "تشويه سمعة ليبيا" أو " التخابرمع مسؤولين أجانب".

 لهؤلاء الليبيون الذين حاولوا السفر إلى طرابلس للقاءنا، ومن تحدثوا علناً في مؤتمرنا الصحفي، ومن اتصلوا بنا أو أرسلوا إلينا رسائل البريد الإلكتروني وجاءوا لمقابلتنا رغم خطر المراقبة والمتابعة الأمنية: إنني أحيّيكم  .

هبه مرايف باحثة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الموضوع