Skip to main content

سوف تتسلط جميع الأبصار والآذان على الرئيس أوباما في 4 يونيو/حزيران، مع إدلائه بأول خطاب له من دولة عربية. هل سينصب تركيزه على الحفاظ على العلاقات المقربة مع الحكومات العربية، بغض النظر عما فيها من مثالب؟ أو هل ستمتد رسالته إلى المواطنين العرب الذين يقمعهم زعماء سلطويون منذ عشرات السنين؟ وفيما أشارت الإدارة الجديدة إلى أنها لن تجاهر علناً بالمطالبة باحترام حقوق الإنسان في علاقاتها الثنائية؛ فإن تجاهل سجل مصر المتواضع في مجال حقوق الإنسان سيؤدي إلى المزيد من العرقلة في جهود الإصلاح المصرية، ويقوض من موقف الولايات المتحدة في المنطقة.

إن مصر ولأسباب كثيرة هي الخيار الطبيعي لهذا الخطاب؛ فهي ما زالت العاصمة الثقافية للعالم العربي، رغم شيء من الأفول طرأ على أهميتها السياسية. كما أنها صاحبة أوثق علاقات بالولايات المتحدة من بين الدول العربية، وثاني أكبر متلقي للمساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية، وتبلغ 1.6 مليار دولار سنوياً (إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي يفوق ما تتلقاه هذا المبلغ). وقد وفّت مصر بالتزاماتها، إذ حافظت على السلام مع إسرائيل، ومنعت المهاجرين الأفارقة من العبور إلى إسرائيل، وأبقت على معبر رفح المفضي إلى غزة مغلقاً (وإن كانت أقل نجاحاً في وقف أنفاق التهريب). وقد تعاونت بشكل وثيق مع سياسات مكافحة الإرهاب الأميركية، ومنها السياسات غير القانونية مثل تعذيب المشتبهين الذين تم إرسالهم لمصر لصالح واشنطن. وحين تريد واشنطن شيئاً من العرب، فهي تولي وجهها إلى مصر لإتمام المطلوب. وهو الأمر الذي يطلق عليه بعض عناصر السياسة الخارجية "عائد جيد للاستثمار الأميركي".

لكن هنالك حقيقة يد الحكومة المصرية الثقيلة على مواطنيها، الذين تحكمهم بقانون الطوارئ منذ أكثر من 42 عاماً. وفيما انتهى مبرر "زمن الحرب" الذي يجمد الحقوق والحريات بموجب قوانين الطوارئ منذ زمن طويل (إذ وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل في عام 1979)، فلم ينته بعد ما لهذه القوانين من قدرة على السيطرة على خصوم الحكومة وترهيبهم، ومنهم الخصوم الذين لا يلجأون للعنف. وتستمر الحكومة في تقييد حرية التعبير والصحافة في مصر، وتستمر في حبس الصحفيين المنتقدين لسياساتها، والكُتاب والمدونين على حد سواء. وقد استغلت قوانين الطوارئ في احتجاز الآلاف، وأغلبهم من الإسلاميين، دون نسب اتهامات إليهم، وبعضهم رهن الاحتجاز منذ عشرات السنين.

ثم إن المنافسة على السلطة السياسية جدّ محدودة، مع هيمنة الحزب الوطني الديمقراطي على البرلمان غير الفعّال والمُشكل إبان انتخابات ليست حتى بقريبة من النجاح في اختبار النزاهة. والمؤسسة الأمنية مدججة بعناصر من الواضح أن لديهم ما يكفي ويزيد من الوقت لمراقبة وتهديد المواطن العادي المشارك في أنشطة "مشبوهة"، مثل الدفاع عن حقوق الإسكان، أو لتقديم المساعدات الطبية لمن يتعرضون للتعذيب المتفشي في أقسام الشرطة. والمحاكم التي تُصدر أحكاماً على غير هوى الحكومة يتم تجاهل أحكامها بشكل متكرر. ربما تُعد مصر دولة متسامحة ووسطية وفيها شيء من البراح للمعارضة السياسية مقارنة بغيرها من بلدان المنطقة، لكن ما أقصر عنان الحريات في مصر!

وقد كان دعم واشنطن لهذه الحكومة القمعية سبباً في إثارة الغضب والتحفظات في مصر والمنطقة. ويرى الكثيرون أن الولايات المتحدة متواطئة تماماً في انتهاكات الحكومة المصرية، بل وتساعد بفعالية في المعاملة السيئة المنتشرة بحق المواطن العادي وتغض الطرف عنها. أيا كانت مزايا هذا التحالف للولايات المتحدة، فثمة تكلفة يجب أن تُحسب جيداً لدى النظر إلى المكسب والخسارة.

وفيما كانت إخفاقات إدارة بوش في المنطقة كارثية ولا يسع الذهن حصرها، فمما يُحسب لها - الإدارة السابقة - استعدادها (رغم اقتصاره على فترة زمنية قصيرة) للإصرار علناً على الحاجة للإصلاحات في مصر. وقد ساعدت الضغوط العلنية على سماح الحكومة بمظاهرات تنتقد الحكومة، وإلى تسامحها مع زيادة حرية الصحافة، بل وساعدت على عقد انتخابات رئاسية تنافسية لأول مرة عام 2005. لكن إثر مكاسب كبيرة للإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية في وقت لاحق من ذلك العام، هجرت إدارة بوش تلك الأجندة. وعادت السلطات المصرية إلى أساليبها المعروفة، فسجنت مرشح الرئاسة المعارض أيمن نور، وداهمت الإخوان المسلمين وحبست الصحفيين. لكن بوش - والحكومة المصرية - أثبت أن الدبلوماسية العلنية يمكن أن تساعد على إحراز إصلاحات عملية وهامة.

واليوم يدور الحوار في أوساط إدارة أوباما حول القيام بالترويج لحقوق الإنسان (من عدمه) ضمن العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى. الخلاصة أن قدرة أميركا على مناقشة قضايا حقوق الإنسان - في أعقاب الحرب مع العراق وغوانتانامو وأبو غريب - هي قدرة جد متواضعة. لكن في حالة وجود علاقات خاصة بين الولايات المتحدة وبعض الدول، تشد من أزرها مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والمالية والتعاون الأمني والسياسي الوثيق؛ فليس متاحاً لها رفاهية تجاهل سجل حقوق الإنسان الخاص بحليفتها، من حيث المبدأ وبدافع من المصلحة الأميركية. إننا نرحب بالكثير مما نراه في تواضع الولايات المتحدة الوليد واستعدادها للإنصات، لكن هذا لا يعوض الحاجة إلى الحديث بوضوح وبصراحة إلى الحُكام في القاهرة.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة