Skip to main content

إسرائيل: استخدام الفسفور الأبيض دليل على وقوع جرائم حرب

الهجمات العشوائية أدت إلى معاناة المدنيين بلا ضرورة

 

(القدس) - قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن إطلاق إسرائيل المتكرر لقذائف الفسفور الأبيض على مناطق مزدحمة بالسكان في غزة أثناء الحملة العسكرية الأخيرة كان قصفاً عشوائياً ويدل على وقوع جرائم حرب.

وتقرير "أمطار النار: استخدام إسرائيل غير القانوني للفسفور الأبيض في غزة" الذي جاء في 71 صفحة، وردت فيه روايات شهود على الآثار المدمرة لذخائر الفسفور الأبيض التي طالت المدنيين والأعيان المدنية في غزة. وفور انتهاء أعمال القتال عثر باحثو هيومن رايتس ووتش في غزة على مقذوفات فارغة وعبوات وعشرات الشظايا المغمسة بالفسفور الأبيض في شوارع المدينة وعلى أسقف البنايات السكنية وفي مدرسة للأمم المتحدة. كما يعرض التقريرأدلة مستخلصة من تحليل المقذوفات ومن الصور الفوتوغرافية وصور القمر الصناعي، وكذلك وثائق للجيش والحكومة الإسرائيلية.

ويستخدم العسكريون الفسفور الأبيض بالأساس لإخفاء تحركات وعمليات الجنود براً، بواسطة خلق جدار دخاني سميك. ويمكن أيضاً استخدام الفسفور الأبيض كسلاح محرق.

وقال فريد آبراهامز، باحث طوارئ رئيسي في هيومن رايتس ووتش: "في غزة لم يستخدم الجيش الإسرائيلي الفسفور الأبيض في المناطق المفتوحة فحسب لحجب تحركات القوات". وتابع قائلاً: "بل أطلق الفسفور الأبيض أيضاً بشكل متكرر على مناطق مزدحمة بالسكان، حتى عندما لم تكن القوات الإسرائيلية في المناطق المستهدفة وفي ظل توافر قذائف دخانية أكثر أمناً. وبالنتيجة، عانى المدنيون بشكل لا ضرورة له ولقوا حتفهم".

ويوثق التقرير نسقاً أو سياسة لاستخدام الفسفور الأبيض تقول هيومن رايتس ووتش إنها لابد تتطلب موافقة المسؤولين العسكريين رفيعي الرتبة.

وقال فريد آبراهامز: "يجب تحميل كبار المسؤولين العسكريين المسؤولية جراء وفيات المدنيين بلا داعي التي أدى إليها استخدام الفسفور الأبيض".

وكانت هيومن رايتس ووتش في 1 فبراير/شباط قد تقدمت بأسئلة تفصيلية إلى الجيش الإسرائيلي بشأن استخدامه الفسفور الأبيض في غزة. ولم يعرض الجيش الإسرائيلي رداً، متذرعاً بإجراء تحقيق داخلي تجريه القيادة الجنوبية بالجيش.

وفي عمليات غزة الأخيرة، كثيراً ما استخدمت القوات الإسرائيلية الفسفور الأبيض المتفجر جواً في قذائف المدفعية عيار 155 ملم في أو بالقرب من مناطق مأهولة بالسكان. وكل قذيفة متفجرة جواً ينبعث منها 116 شظية محترقة مغمسة بالفسفور الأبيض على مساحة نصف قطرها يبلغ 125 متراً، من نقطة الانفجار. ويشتعل الفسفور الأبيض ويحترق لدى ملامسته الأوكسجين، ويستمر في الاحتراق على درجة حرارة 1500 فهرنهايت (816 درجة مئوية) حتى لا يتبقى منه شيء أو حتى انقطاع الأوكسجين عنه. وحين يلامس الفسفور الأبيض الجلد فهو يؤدي إلى حروق كثيفة ودائمة.

ولدى استخدام الفسفور الأبيض على النحو الملائم في المناطق المفتوحة، فهو لا يعتبر غير مشروع، لكن تقرير هيومن رايتس ووتش انتهى إلى أن الجيش الإسرائيلي تكرر تفجيره للفسفور الأبيض بشكل غير قانوني فوق أحياء مأهولة بالسكان، مما أدى لمقتل وإصابة المدنيين وإلحاق الأضرار بالأعيان المدنية، ومنها مدرسة وسوق تجاري ومخزن للمساعدات الإنسانية ومستشفى.

وفي البداية أنكرت إسرائيل استخدامها الفسفور الأبيض في غزة، لكن وفي مواجهة أدلة متزايدة على نقيض ذلك؛ قالت إنها استخدمت كل الأسلحة بما يستقيم مع القانون الدولي. وفيما بعد أعلنت عن الشروع في تحقيق داخلي في الاستخدام المحتمل للفسفور الأبيض على نحو غير صحيح.

وقال فريد آبراهامز: "يبين من التحقيقات السابقة للجيش الإسرائيلي في مزاعم وقوع الأخطاء أن هذا التحقيق لن يكون مستفيضاً ولا محايداً". وأضاف: "ولهذا توجد الحاجة لإجراء تحقيق دولي في الانتهاكات الجسيمة لقوانين الحرب من قبل جميع الأطراف".

وقالت هيومن رايتس ووتش إن الجيش الإسرائيلي كان يعرف بأن الفسفور الأبيض يهدد حياة المدنيين. إذ تم إعداد تقرير طبي أثناء أعمال القتال الأخيرة من جانب وزارة الصحة الإسرائيلية ورد فيه أن الفسفور الأبيض "يمكن أن يؤدي لإصابات خطيرة والوفاة حين يلامس الجلد، أو لدى استنشاقه أو ابتلاعه". والحروق بنسبة أقل من 10 في المائة من مساحة الجلد يمكن أن تكون قاتلة، لأنها قد تؤدي لأضرار تلحق بالكبد أو الكليتين أو القلب، حسب المذكور في تقرير الوزارة. ويمكن بسهولة أن تتلوث الحروق وقد يؤدي امتصاص الجسد لهذه المادة الكيماوية إلى أضرار جسيمة في الأعضاء الداخلية، وربما الوفاة.

وإذا كان الجيش الإسرائيلي يقصد استخدام الفسفور الأبيض كمادة تمويه دخاني لقواته، فقد كان لديه بديل غير قاتل للفسفور الأبيض، وهو القذائف الدخانية التي تنتجها شركة إسرائيلية، حسب ما انتهت إليه أبحاث هيومن رايتس ووتش.

وجميع قذائف الفسفور الأبيض التي عثرت عليها هيومن رايتس ووتش مصنوعة في الولايات المتحدة عام 1989 في شركة ثايكول إيروسبايس، التي كانت تدير في ذلك الحين مصنع ذخائر الجيش في لويزيانا. وفي 4 يناير/كانون الثاني، صورت وكالة رويترز للأنباء جنود وحدات المدفعية بالجيش الإسرائيلي وهم يتعاملون مع مقذوفات عليها علامات تشير إلى كونها مُنتجة في الولايات المتحدة في ترسانة باين بلاف للأسلحة بتاريخ سبتمبر/أيلول 1991.

ولتبرير العدد الكبير في الخسائر في أرواح الضحايا في غزة، تكرر لوم المسؤولين الإسرائيليين لحماس على استخدام المدنيين كـ "دروع بشرية" أو بحجة القتال في مواقع للمدنيين. وفي الحالات الموثقة في التقرير، لم تجد هيومن رايتس ووتش أدلة على استخدام حماس للدروع البشرية في المناطق المجاورة لوقوع الهجمات في توقيت وقوع الهجمات. وتبين احتمال تواجد المقاتلين الفلسطينيين في بعض الأماكن، لكن لا يبرر هذا الاستخدام العشوائي للفسفور الأبيض في مناطق مأهولة بالمدنيين.

وقالت هيومن رايتس ووتش إنها لأسباب كثيرة خلصت إلى أن الجيش الإسرائيلي قد استخدم ذخائر الفسفور الأبيض عن عمد أو لا مبالاة في خرق لقوانين الحرب. أولاً، استخدام الفسفور الأبيض المذكور في مناطق مأهولة بالمدنيين حتى الأيام الأخيرة من العملية يكشف عن نسق أو سياسة وليس مجرد الاستخدام العارض أو بالمصادفة. ثانياً، كان الجيش الإسرائيلي على دراية تامة بآثار الفسفور الأبيض وأخطاره على المدنيين. ثالثاً، لم يستخدم الجيش الإسرائيلي بدائل أخرى متاحة للتمويه بالدخان.

وتُلزم قوانين الحرب الدول بالتحقيق بشكل نزيه في مزاعم وقوع جرائم الحرب. والأدلة المتوفرة تستدعي أن تحقق إسرائيل مع من أمروا أو نفذوا الهجمات غير القانونية باستخدام الفسفور الأبيض، وأن تقاضيهم على النحو الواجب، حسب ما قالت هيومن رايتس ووتش.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن الحكومة الأميركية، التي أمدت إسرائيل بذخائر الفسفور الأبيض، ينبغي عليها أن تجري تحقيقاً لتعرف منه إن كانت إسرائيل قد استخدمت الذخائر على نحو يخرق قوانين الحرب.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة