Skip to main content

قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن مذكرة توقيف عمر البشير

 

في 4 مارس/آذار 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية بالمحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير رئيس السودان، بناء على اتهامات والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وتثير المذكرة عدة تساؤلات هامة:

1. هل يمكن لادعاء المحكمة أن يتقدم باتهامات ضد رئيس دولة؟ أليس لرؤساء ورؤساء الوزارات وغيرهم من قادة الدولة والحكومات حصانة من الملاحقة القضائية؟

نظام روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية ينطبق على الجميع بغض النظر عن مناصبهم الرسمية. وأية حصانة يتمتع بها الشخص في بلده بناء على منصبه الرسمي لا تمنع المحكمة الجنائية الدولية من نسب الاتهامات إليه. والمادة 27 من نظام روما ورد فيها بشكل صريح أن رؤساء الدول ليسوا مُحصنين من الملاحقة القضائية.

2. ما هي المتطلبات التي يجب للمُدّعي أن يستوفيها للحصول على مذكرة توقيف؟

الدائرة التمهيدية تُصدر مذكرة التوقيف إذا وجدت أن مجموع الأدلة التي قدمها المدعي تُعد "أساساً منطقاً للاعتقاد" بأن الشخص المذكور قد ارتكب جرائم تدخل ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة. والمشتبه الذي يتم توقيفه أو يسلم نفسه للمحكمة يحظى بفرصة الاعتراض على الاتهامات والطعن في الأدلة في جلسة "لتأكيد الاتهامات". وفي هذه المرحلة، على الدائرة التمهيدية أن تقرر ما إذا كان هنالك ما يكفي من أدلة "كأساس قوي للاعتقاد" بأن الشخص قد ارتكب كل من الجرائم المنسوبة إليه من أجل التقدم إلى المرحلة التالية من المحاكمة.

3. بما أن المحكمة لم تؤكد اتهامات الإبادة الجماعية بحق البشير، فهل هذا يعني أنها حكمت بعدم وقوع عمليات إبادة جماعية في دارفور؟

الدائرة التمهيدية قضت فقط بأن الأدلة الواردة إليها من المدعي تُعد أساساً لـ "الاعتقاد بناء على أسباب منطقية" بأن البشير ارتكب جريمة الإبادة الجماعية بموجب نظام روما، ولا تذكر تحديداً وقوع إبادة جماعية من عدمها.

ومن الصعب إثبات جرائم الإبادة الجماعية، وينبغي على المدعي أن يُظهر وقوع بعض الأفعال (بالأساس القتل، أو التسبب في إلحاق أضرار بدنية أو ذهنية بعناصر مجموعة ما، عمداً والتسبب في تدمير جماعة ما كلياً أو جزئياً، أو فرض إجراءات مقصود بها منع الولادة والتكاثر داخل الجماعة أو نقل الأطفال قسراً من مجتمعهم) بقصد معين هو "التدمير كلياً أو جزئياً لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية" على أساس هويتهم. وفيما توجد أدلة قوية على وقوع أعمال وحشية في دارفور، فمن الأصعب إثبات وقوعها "بقصد إجرامي". إلا أنه يمكن للمدعي أن يطلب من الدائرة التمهيدية في المحكمة تعديل مذكرة التوقيف لاحقاً إذا توصل إلى أدلة جديدة تدعم الاتهام بالإبادة الجماعية.

وعلى أية حال فإن البشير يواجه اتهامات بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وهي اتهامات دولية جسيمة للغاية، وتشمل القتل الجماعي والاغتصاب وغيرها من الأعمال الوحشية في دارفور. والجرائم ضد الإنسانية تشمل اتهامات بحق البشير منها القتل والتصفية والاغتصاب والتعذيب والنقل قسراً لمجموعة سكانية وارتكاب هذه الجرائم ضمن هجمة منهجة أو موسعة ضد المدنيين. وجرائم الحرب المزعومة تشمل توجيه الهجمات عمداً إلى السكان المدنيين والقيام بالنهب. وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية كانت الأساس لمقاضاة الأفراد في جرائم ألمانيا النازية في محكمة نورمبرغ والتطهير العرقي في البلقان في المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة.

4. بعد إصدار مذكرة التوقيف بحق الرئيس البشير، فمن بإمكانه إجراء التوقيف؟

بما أن المحكمة الجنائية الدولية لا تضم في صفوفها قوة شرطية خاصة بها، فهي تعتمد على السلطات الوطنية في التعاون من أجل إجراء عمليات التوقيف بالنيابة عنها. ويمكن للمحكمة أن تطلب من أية دولة قد يوجد بها المتهم أن تقوم بتوقيفه وتسليمه. والدول الأطراف في نظام روما مُلزمة عامة بالالتزام. إلا أن ثمة أسئلة حول الالتزام بالامتثال والخشية إزاء الخلافات حول الالتزامات القانونية، إذ يمكن للدولة أن تشاور المحكمة للتوصل لحل إزاء هذه القضية.

وقرار مجلس الأمن الذي يحيل الوضع في دارفور إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية في عام 2005 يطالب حكومة السودان وكافة الأطراف في النزاع بالتعاون بالكامل مع المحكمة ومدها بالمساعدات المطلوبة. والسودان - رغم أنه ليس دولة طرف في المحكمة الجنائية الدولة - مُلزم بالقرار بإجراء التوقيف بناء على طلب المحكمة. والقرار نفسه يدعو الدول الأخرى من غير الأطراف في نظام روما إلى التعاون، لكنها ليست مُلزمة بهذا.

5. هل يمكن لقوات حفظ السلام في السودان إجراء التوقيف؟

ولاية قوات حفظ السلام في السودان لا تشمل القيام بعمليات توقيف للمشتبهين بالمحكمة الجنائية الدولية.

6. إذا سافر البشير إلى الخارج فهل الدول الأخرى مُلزمة بتوقيفه؟

يُلزم نظام روما بشكل عام جميع الدول الأطراف التي تلقت طلباً بإجراء توقيف بأن تلتزم بهذا الطلب. ومن ثم فإن على الدول المطلوب إليها أن تنفذ ما ينص عليه الأمر الالتزام بأن تجري التوقيف. ولأن هذه نقطة قانونية لم تُختبر بعد عملاً، فإن حُكم المحكمة هو القرار الوحيد واجب التنفيذ في هذا الموضوع. وإذا طُلب إلى دولة أن تجري اعتقال وكانت قلقة إزاء تعارض الالتزامات الخاصة بالقانون الدولي، فالمنبر الملائم لإثارة هذا الموضوع هو المحكمة الجنائية الدولية.

والأطراف من غير الدول ليسوا مُلزمون بإجراء التوقيف بناء على طلب المحكمة الجنائية الدولية بموجب نظام روما. إلا أن قرار مجلس الأمن الذي أحال الوضع في السودان إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية يدعو الدول كافة إلى التعاون الكامل مع المحكمة.

7. إذا قام البشير بحضور القمة العربية في قطر نهاية هذا الشهر حسب ما أعلن، فهل ينبغي على قطر أن تقوم بتوقيفه؟

رغم أن قطر ليست دولة طرف في نظام روما، فإن قرار مجلس الأمن الذي أحال الوضع في دارفور إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية، يدعو أيضاً الدول غير الأطراف في النظام إلى التعاون بالكامل مع المحكمة. ويمكن لقطر أن تقرر توقيف البشير إذا تلقت مذكرة من المحكمة، لكنها ليست مُلزمة بأن تفعل هذا.

8. هل ما زال بإمكان الدبلوماسيين وغيرهم من الأشخاص إجراء مقابلات مع البشير؟

لا يمنع إصدار مذكرة التوقيف قانوناً الدبلوماسيين من عقد مقابلات مع البشير. وعلاقة هذا الأمر به مسألة سياسات تخص الدول التي لها أن تبت فيها.

9. هل سيؤثر إصدار المذكرة على عملية السلام في دارفور؟ هل أخذت المحكمة في اعتبارها هذا العامل؟

من الصعب التنبؤ بأثر المذكرة على التطورات السياسية في السودان، لكن عملية السلام في دارفور توقفت منذ فترة طويلة جراء أسباب لا علاقة لها بالمرة بالمحكمة الجنائية الدولية. بل إن الأطراف لا يبدو عليها الالتزام بالسعي للتوصل لحل عبر محادثات السلام.

والسجل التاريخي المستقى من نزاعات أخرى يُبين أن مذكرات التوقيف الصادرة بحق الزعماء قد تؤدي إلى تعزيز محادثات السلام عبر وصمها وتهميشها لهؤلاء الزعماء. ومذكرة التوقيف الصادرة ضد تشارلز تايلور في ليبيريا ورادوفان كاراديتش في البوسنة والهرسك حركتا محادثات السلام ويسرتا في نهاية المطاف من التوصل إلى اتفاق. فضلاً عن أن الكثيرين يعزون الفضل لمذكرات المحكمة الجنائية الدولية بحق زعماء جيش مقاومة الرب في أوغندا في استعداد الجيش للمشاركة في محادثات السلام للمرة الأولى منذ سنوات.

وعلى أية حال فإن المحكمة ليست مخولة أن تأخذ في حسبانها أثناء اتخاذها القرارات الخاصة باستصدار المذكرات مثل هذه المسألة. والمحكمة مسؤولة عن أن تقدم للعدالة المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية. وعليها أن تتحرك بشكل مستقل وبعيداً عن المؤثرات السياسية من أجل الوفاء بولايتها وليس لها أن تتخذ قرارات بشأن السلم والأمن.

10. ما هو أثر المذكرة على المنظمات الإنسانية وعناصر حفظ السلام على الأرض؟

هيومن رايتس ووتش مهتمة منذ فترة طويلة بإخفاق الحكومة السودانية في ضمان إتاحة وصول المنظمات الإنسانية وعناصر حفظ السلام إلى الأشخاص المحتاجين في دارفور وما زالت هذه المخاوف قائمة.

والقانون الدولي يطالب الحكومة بضمان إتاحة الوصول الكاملة والآمنة ودون إعاقة للعاملين بالإغاثة، لمن يحتاجون الإغاثة في دارفور، وكذلك توصيل المساعدات الإنسانية على الأخص إلى الأشخاص المشردين داخلياً واللاجئين. بالإضافة إلى أن القانون الدولي يحظر الهجمات ضد بعثات الإغاثة الإنسانية وحفظ السلام ويُعرف مثل هذه الهجمات على أنها جرائم حرب.

ولا تُغيّر مذكرة التوقيف من التزام الخرطوم بالخضوع للقانون الدولي. وإذا انتهكت الحكومة القانون الدولي عبر تعمدها مهاجمة العاملين بالإغاثة الإنسانية أو عناصر حفظ السلام أو عرقلة عملهم، فإن على مجلس الأمن أن يرد باتخاذ الإجراءات اللازمة ومنها فرض العقوبات.

11. هل ستُبطئ مذكرة التوقيف من نشر عناصر حفظ السلام التابعين لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور؟

حكومة السودان مُطالبة - بموجب قرار مجلس الأمن 1769 - بتيسير النشر الكامل لقوات بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور. وهذا المطلب لا يتأثر بأي شكل بإصدار مذكرات التوقيف. وقد دأبت الحكومة على عرقلة وإعاقة بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي منذ بداية عملها. وقد خففت من بعض القيود على نشر عناصر البعثة في الشهور الأخيرة، لكنها ما زالت بعيدة كل البعد عن الوفاء بالتزاماتها. وعلى مجلس الأمن والحكومات المعنية أن يستمرا في الضغط على السودان من أجل السماح بالنشر الكامل لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور. وقد يشمل هذا التوسيع من الحظر على الأسلحة وفرض عقوبات تستهدف كبار المسؤولين السودانيين (مثل الحظر على السفر أو تجميد الأرصدة البنكية).

12. ما أثر مذكرة التوقيف على اتفاق السلام الشامل الذي وضع حداً للحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان؟

ليس للمذكرة أثر على التزامات حزب المؤتمر الوطني الحاكم أو الحركة الشعبية لتحرير السودان والخاصة باتفاق السلام الشامل، الذي أنهى حرباً أهلية دامت لأكثر من عشرين عاماً. وللطرفين مصالح اقتصادية وسياسية في تحقيق عناصر اتفاق السلام الشامل المعنية بالمشاركة في السلطة والثروات. بالإضافة إلى أنه منذ إعلان المدعي في يوليو/تموز 2008 عن سعيه لتوقيف الرئيس البشير، فقد أشار الطرفان إلى أنهما ملتزمان بتنفيذ الاتفاق وبتفادي العودة إلى النزاع. وفي يوليو/تموز أحرز الطرفان تقدماً ملحوظاً في التوصل لنزاع أبيي، الذي أدى لمصادمات في مايو/أيار 2008 وفي أكتوبر/تشرين الأول، وأصدر الطرفان عدة قوانين على صلة باتفاق السلام الشامل.

13. كيف سيؤثر هذا على الانتخابات القادمة في السودان؟

بموجب اتفاق السلام الشامل الذي أنهى عشرين عاماً من الحرب الأهلية بين الجنوب والشمال، فإن الانتخابات من المقرر عقدها في عام 2009. وقد أكد الطرفان على التزامهما بعقد هذه الانتخابات. ورغم التحديات الهائلة التي يجب مجابهتها إذا أُريد للانتخابات أن تكون حرة ونزيهة، فهي لا علاقة لها بالمحكمة الجنائية الدولية. والتحديات المنتظرة تشمل الحاجة إلى إصلاح تشريعي عاجل، وتحضيرات لوجستية وأمنية وإجراءات أوسع لحماية حرية التعبير وإتاحة وصول وسائل الإعلام وتغطيتها للانتخابات. وللمجتمع الدولي دور يلعبه في الاستمرار في الضغط من أجل ضمان أن الحزب الحاكم يتخذ جميع الاحتياطات المستطاعة للوفاء بالتزاماته الوطنية والدولية.

14. هل يمكن أن يترشح البشير للانتخابات رغم صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ضده؟

فيما يفرض القانون الدولي الالتزامات على الدول بتوقيف الأشخاص المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية، فهو لا يحظر على الأفراد المطلوبين في جرائم من المحكمة الجنائية الدولية أن يتقدموا بالترشيح للرئاسة.

وسواء كان البشير مستحقاً للترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة أم لا؛ فهذا ما يحدده القانون السوداني الوطني وحده.

15. ما الذي توصلت إليه هيومن رايتس ووتش بشأن دور البشير في الجرائم المرتكبة في دارفور؟

كما سبق ووثقت هيومن رايتس ووتش في تقريرها الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2005 بعنوان "ترسيخ حالة الإفلات من العقاب: مسؤولية الحكومة عن الجرائم الدولية في دارفور" انتهت هيومن رايتس ووتش إلى أنه وعلى أعلى مستويات القيادة السودانية - ومنها البشير - توجد مسؤولية عن إعداد وتنسيق سياسة الحكومة لمجابهة التمرد، والتي تعمدت وبشكل منهجي استهداف المدنيين في دارفور في انتهاك للقانون الدولي.

والبشير، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، لعب دوراً محورياً في قيادة الحملة العسكرية في دارفور. وبياناته المُعلنة مؤشرات على ما جرى من عمليات عسكرية والانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الأمنية السودانية. وثمة مؤشرات على أن هذه البيانات رجع صدى للأوامر السرّية المُعطاة للإدارة المدنية والأجهزة العسكرية والأمنية. على سبيل المثال، في 30 ديسمبر/كانون الأول 2003 أعلن البشير أن "الأولوية القصوى لدينا هي القضاء على التمرد وعلى أي خارج على القانون يحمل أسلحة". وبعد أيام قليلة، في يناير/كانون الثاني 2004، بدأت قوات الأمن السودانية في حملة استخدمت القوة المنهجية في انتهاك للقانون الإنساني الدولي، من أجل إخراج مئات الآلاف من الأشخاص من مناطق سكناهم الريفية في دارفور. والاستخدام المنهجي للدعم الجوي في استهداف المدنيين في الحملة العسكرية، رغم احتجاجات من ضباط القوات الجوية، يبدو أنه بدوره يعكس تورط كبار المسؤولين في الخرطوم.

كان من المرجح أن البشير على دراية بالانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن في دارفور. وبحلول أواسط عام 2004 تواتر تقارير عن عشرات الآلاف من الأشخاص المشردين ومعلومات واردة في عشرات الشكايات المقدمة للشرطة وروايات صحفية وتقارير من مختلف المنظمات، ومنها المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ويتبين منها بوضوح أن هنالك إساءات جسيمة تقع في دارفور. وإلى جانب هذه المعلومات المُحددة، فإن استخدام الحكومة فيما سبق للميليشيات الإثنية في نزاع جنوب السودان هو بمثابة تحذير قوي من أن هذه القوات قد استهدفت المدنيين فيما سبق وارتكبت جرائم حرب أخرى.

وليست هناك أدلة على أن البشير أو غيره من كبار المسؤولين الحكوميين قد اتخذوا إجراءات جدية لمنع أو وقف هذه الإساءات. واستمرت القوات الحكومية وميليشيات الجنجويد المدعومة من الحكومة في تنفيذ الجرائم طيلة أشهر بعد انتشار التقارير الإخبارية عنها. وحتى بعد أن أسس البشير لجنة تقصي وطنية في الجرائم (وترفع تقاريرها إليه شخصياً)، وقعت هجمات في ديسمبر/كانون الأول 2004 وظهرت عليها جميع سمات الهجمات السابقة، ومنها التنسيق العسكري مع الجنجويد والقصف الجوي للقرى والتشريد الجماعي القسري للمدنيين.

16. لماذا تتركز جميع قضايا المحكمة الجنائية الدولية على أفريقيا؟ وهل يحاول الغرب فرض عدالته على أفريقيا؟

المحكمة الجنائية الدولية، التي تم تأسيسها لفرض العدالة في أكثر الجرائم جسامة في العالم، تتولى حالياً النظر في أربع بلدان وتحقق فيها بشكل نشط، هي جمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا ومنطقة دارفور في السودان. ومكتب المدعي، بمبادرة منه، يبحث أيضاً في إجراء تحقيقات في أفغانستان وكولومبيا وجورجيا.

وتركيز الحكومة الحصري في الوقت الراهن على أفريقيا أدى إلى انتقادات من بعض الدول الأفريقية والمراقبين للمحكمة الجنائية الدولية، بأن القارة الأفريقية هي هدف المحكمة الأساسي. إلا أن ثمة عدة عوامل موضوعية تقوض من مثل هذه الاتهامات، ومنها:

  • ثلاثة من أوضاع الدول الأربعة المرفوعة للمحكمة والتي تم التحقيق فيها أحيلت إلى المحكمة من قبل الدول المعنية، بينما الوضع الرابع في دارفور فقد أحاله مجلس الأمن للمحكمة.
  • لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية التحقيق إلا في الجرائم التي تم ارتكابها بعد 1 يوليو/تموز 2002، مما يعني أن الكثير من الأوضاع مُبعدة عن الاختصاص القضائي للمحكمة.
  • من أجل السماح بتدخل المحكمة الجنائية الدولية، فيجب في الجرائم التي تم ارتكابها بعد 1 يوليو/تموز 2002 أن تكون جسيمة على النحو الكافي (من حيث عدد الضحايا على سبيل المثال)، ويجب أن يبين أن السلطات الوطنية إما لا غير قادرة أو غير مستعدة على التصدي لها.

وفي واقع الأمر، فإن 22 دولة أفريقية كانت من بين الدول المؤسسة التي صدقت على نظام روما. ومن بين 108 دولة أطراف في المحكمة الجنائية الدولية، 30 منها دول أفريقية. وقد أظهرت كل منها طوعاً التزامها بالمؤسسة. والمحكمة الجنائية الدولية بدورها تعمل على تحقيق العدالة لعدد لا حصر له من الضحايا الأفارقة الذين كابدوا جرائم مروعة.

وبعض البلدان، ومنها الولايات المتحدة، لا تخضع بشكل تلقائي لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية لأنها ليست دول أطراف في نظام روما. كما أنه من الممكن لأي دولة غير طرف في نظام روما أن تتقدم طوعاً بالجرائم الواقعة على إقليمها وتُدخلها ضمن الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية.

17. ما أهمية الملاحقة القضائية في الجرائم الجسيمة التي تخرق القانون الدولي؟

إن تحقيق العدالة في الجرائم الأكثر جسامة - ومنها أعمال الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب - هو أمر يدخل ضمن ولاية القانون الدولي. لكن العدالة هامة أيضاً لإنصاف الضحايا وللتكريس لاحترام سيادة القانون؛ مما يسهم في بناء السلام المستديم، لا سيما في المجتمعات التي دمرتها النزاعات.

18. لماذا يحقق مدعي المحكمة الجنائية الدولية مع الرئيس البشير ولا يحقق في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية والفلسطينية في غزة؟

اختصاص المحكمة الجنائية الدولية متحقق على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي تم ارتكابها بعد 1 يوليو/تموز 2002 فقط، ولا يحق للمحكمة النظر في الجرائم المرتكبة بعد هذا التاريخ إلا إذا تحقق فيها أحد الشروط التالية:

  • إذا وقعت الجريمة على إقليم دولة طرف في نظام روما.
  • إذا كان الشخص المتهم بالجرائم مواطن لدولة طرف في نظام روما.
  • إذا لم تكن الدولة طرف في نظام روما لكنها تقبل بالاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الجريمة المعنية، بإعلانها ذلك وبإحالة القضية إلى سجل المحكمة الجنائية الدولية.
  • إذا أحال مجلس الأمن الوضع المعني إلى مدعي المحكمة الجنائية الدولية.

ولأن إسرائيل ليست دولة طرف في نظام روما، فعلى المحكمة الجنائية الدولية قبل أن تبدأ التحقيق في الوضع إما أن يحيل مجلس الأمن الوضع إلى مدعي المحكمة (كما فعل في حالة دارفور) أو أن تكون الدولة التي وقعت على إقليمها الجرائم (أو الدولة التي اتُهم مواطنيها بارتكاب الجرائم) قابلة بالاختصاص القضائي للمحكمة. وقد وافقت السلطة الفلسطينية على قبول الاختصاص القضائي للمحكمة في الجرائم التي يتم ارتكابها في غزة. والمدعي ينظر حالياً فيما إذا كانت السلطة الفلسطينية تُعد دولة بموجب القانون الدولي، ومن ثم ما إذا كان يمكنها قبول الاختصاص القضائي للمحكمة في الجرائم المُرتكبة في غزة.

وقد دعت هيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق دولي مُحايد في انتهاكات قوانين الحرب من قبل كافة الأطراف في غزة كخطوة أولى لضمان المحاسبة على الجرائم التي يُفترض وقوعها هناك.

19. هل وضع العدل الدولي يتسم بالمعايير المزدوجة، لكون القضاء الدولي يلاحق الدول ذات الثقل السياسي الأقل فقط؟

الجناة في الخروقات الجسيمة للقانون الدولي ينبغي أن يُحملوا المسؤولية بغض النظر عن جنسياتهم. إلا أن تطبيق العدل الدولي لا يتم بالتساوي. فالدول، وهي في العادة تتحرك عبر مجلس الأمن، كانت تقرر متى تُشكل محاكم جنايات دولية وما يدخل ضمن اختصاص هذه المحاكم. والاعتبارات السياسية كانت من العوامل المؤثرة في هذا الشأن، ومن ثم فإن المؤسسات التي تم تشكيلها لم تقم بتغطية كافة الجرائم الجسيمة التي ارتكبت. وعلى الرغم من هذه الانتقائية، فإن المحاكم التي تم تشكيلها كما اتفق أسهمت في إرساء مفهوم المحاسبة على الأقل فيما يتعلق بالنزاعات التي تدخل ضمن اختصاصها. ومن الأهمية بمكان مد نطاق هذه المحاسبة إلى أسوا الجرائم أينما تقع. والمحكمة الجنائية الدولية، التي تم تشكيلها بموجب اتفاقية جماعية وليس قرار من مجلس الأمن، تُحقق هذا الأمر إلى حد ما، لكن ثمة قيود على اختصاصها القضائي. ومن المهم أن تصدق دول أكثر على اتفاقية المحكمة لكي يزيد ويتوسع نطاق اختصاصها القضائي.

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

الأكثر مشاهدة