Skip to main content

رسالة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عن قضية "السحر"

تدعوكم هيومن رايتس ووتش إلى أن توقفوا فوراً إعدام فوزه فالح محمد علي، السجينة حالياً في سجن القريات. وقد استنفدت فوزه فالح التمييز الخاص بها ويعتقد أقاربها في الأردن أن الأوراق الخاصة بإعدامها في مكتبكم حالياً بانتظار موافقة جلالتكم على الحُكم بالإعدام.

وكانت المحكمة في القريات، بتاريخ 2 أبريل/نيسان 2006 (3/3/1427) قد حكمت عليها بالإعدام بقطع الرأس جراء جرائم مزعومة "بعمل السحر والاستعانة بالجن وذبح" الحيوانات.

جلالة الملك، إن إدانة فوزه فالح بعمل "السحر" هو استهزاء بالعدالة ويكشف عن مثالب عديدة في نظام العدالة الجنائية السعودي. فلا يوجد تعريف قانوني لجريمة "السحر"، والقضاة ينتهكون الضمانات الخاصة بالمحاكمة العادلة التي يكفلها القانون السعودي، وهنالك أخطاء إجرائية جسيمة وقعت طيلة فترة المحاكمة، وكانت كفيلة – هذه الثغرات – بتبديد قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد الاتهامات غير واضحة التعريف المنسوبة إليها.

وهيومن رايتس ووتش على قناعة بأن فوزه فالح لم ترتكب أية جريمة بالمرة. أولاً، ليس من الواضح ما هي أركان الجريمة الفعلية – إن توافرت – لعمل "السحر"، ولا يوجد تعريف لهذه الجريمة في القانون السعودي. وكما تعرفون، لا يوجد قانون جنائي مكتوب في المملكة العربية السعودية يحدد أركان أية جريمة مُعطاة. ويبدو أن الاتهام بعمل السحر كان يستند إلى مفهوم واسع فضفاض لا يمكن القول بأنه يعتبر ضمن نطاق "القانون". وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان فإن الأشخاص الخاضعين للاشتباه بارتكاب جرائم لا يمكن اتهامهم إلا بجرائم يحددها القانون، ويجب أن تكون الاتهامات واضحة بالقدر الكافي لتمكين أي شخص من أن يفهم بوضوح أي نوع من السلوكيات قد يتسبب في انتهاك هذا القانون.

فضلاً عن أنه بالإضافة لغياب تعريف واضح لعمل "السحر" في القانون السعودي، وغياب قانون جنائي مكتوب يمكن البحث ضمنه على مثل هذا التعريف، فإن قضاة محكمة القريات لم يقوموا بتعريف معنى "السحر"، بل بدلاً من هذا ذكروا أفعالاً يُزعم أنه تم ارتكابها، وتشمل نوايا و"أدوات" عمل "السحر" في محاولة ضعيفة للقول بوقوع "السحر" بالفعل. وذكرت المحكمة كمثال حالة أصبح فيها أحد الرجال عنيناً بعد أن تم "سحره". وفي حالة أخرى، وحسبما تناقلت التقارير، عادت امرأة مطلقة إلى زوجها السابق خلال الشهر الذي قيل إن الساحر عمل فيه سحراً ما. ولم تقم المحكمة بتحري تفسيرات بديلة لهذه التطورات التي يبدو أنها من قبيل الظواهر العادية. وبناء على ما ذكرته المحكمة من أمثلة وتوضيحات، فمن الظاهر أن عمل "السحر" – إذا كان له وجود – هو بطبيعته نشاط يستحيل إثباته؛ بما أنه يشمل استخدام قدرة مزعومة على استحضار قوى خارقة للطبيعة.

وسجل المحكمة نفسه يكشف عن وجود شك في حقيقة اتهامات عمل "السحر"، والتي استندت قصراً على أساس من أقوال أشخاص يعتقدون أنهم تعرضوا لأعمال "سحر" ولوجود أشياء "مريبة" زُعم العثور عليها في بيت المتهمة وعلى شجرة.

وجاء في حُكم المحكمة رقم 125/2 بتاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2006 (17/9/1427) أن فوزه فالح اعترفت بالتالي: "أنني آخذ على كل عمل "1500" ريال أرسل نصفه للساحر أبو طلعة حسب الاتفاق، كما أن أبو طلعة قال لي إذا لم تحضروا الفلوس والله (رايح تجنن) مثل الكلاب". وإذا كانت ثمة أعمال "مريبة" قد وقعت بالفعل، فيبدو أن هذا كان نتيجة للاحتيال لحيازة النقود. ومن فقدوا نقودهم لم يرفعوا قضايا لاستعادة النقود. وأفعال فوزه فالح المزعومة لم يسفر عنها أي شكاوى بوقوع إصابات أو أضرار كابدها أي طرف من الأطراف.

كما أن ثمة أخطاء إجرائية وقانونية كثيرة تم ارتكابها على امتداد هذه المحاكمة. إذ يبدو أن القضاة في المحكمة لم يراعوا القوانين المُتبعة واختلقوا قانوناً جديداً مع إجراء المحاكمة. فقد صدر حُكمهم الأول بإعدام فوزه فالح جراء "عمل السحر" باعتبار هذا العمل "حداً" عقوبته الواجبة هي الإعدام. والسند القانوني لهذا الحُكم يشمل قولاً بأن السحرة "لم يستتيبوهم ولأن السحر لا يزول بالتوبة".

وإثر صدور تعليقات على القضية من قبل محكمة التمييز في 1 سبتمبر/أيلول 2006 (19/12/1427) بأن المتهمتين تم الحكم عليهما بالإعدام "حتى مع أنهما قد رجعتا عن اعترافهما" وأن "الحدود تدرأ بالشبهات"، حكم قضاة القريات في حُكم جديد أنزلوه في 6 يونيو/حزيران 2007 (25/5/1428) على فوزه فالح بالإعدام على أساس من "التعزير" باسم "المصلحة العامة" و"المحافظة على عقيدة وأنفس وأموال هذه البلد".

وبغض النظر عن الطبيعة الخاطئة للاتهامات المنسوبة إلى فوزه فالح، فهي لم تحضر أثناء المحاكمة غير أول وآخر جلستين من بين جلسات المحاكمة الست. والمادة 140 من نظام الإجراءات الجزائية تنص على أنه: "يجب على المتهم في الجرائم الكبيرة أن يحضر بنفسه أمام المحكمة". وفي الجلسة الأولى لم يكن حاضراً غير قاضٍ واحد قام باستجوابها. والمادة 129 من نظام الإجراءات الجزائية تقضي بوجوب حضور هيئة من ثلاثة قضاة في القضايا التي قد يصدر فيها الحُكم بالإعدام، والمادة 7 تقضي بإيقاف مجريات المحاكمة إلى أن يبلغ عدد القضاة العدد اللازم. فضلاً عن أن المتهمة لم تتمكن من الطعن في أي من الشهادات التي ظهرت ضدها؛ إذ لم يشهد الشهود في المحكمة، بل قدموا أقوالاً مكتوبة، وأبقى القاضي فوزه في حجرة انتظار في الجلسات التي تم فيها تقديم الأدلة. والمادة 163 من نظام الإجراءات الجزائية جاء فيها: "لكل من طرفي الدعوى مناقشة شهود الطرف الآخر وأدلته". وزعمت فوزه فالح أثناء التمييز أنها لا تعرف حتى الشهود الذين يزعمون بأنهم قابلوها لكي تجري لصالحهم أعمال "سحر". وحرمانها من حقها القانوني في مناقشة الشهود في المحكمة يخل بشكل جسيم بجهودها التي تبذلها للدفاع عن نفسها ضد الاتهامات المنسوبة إليها.

كما منع القاضي ابنها – الذي تولى دور وكيلها القانوني الرسمي – من حضور أي من جلسات المحكمة، في مخالفة للمادة 4 من نظام الإجراءات الجزائية التي جاء فيها "يحق لكل متهم أن يستعين بوكيلٍ ، أو محامٍ ، للدفاع عنه في مرحلتي التحقيق والمحاكمة". والمادة 140 نصت على وجوب حضور الشخص بنفسه في المحاكمة على ألا يخل هذا بحقه في الاستعانة بمن يدافع عنه أثناء المحاكمة.

كما أنه من المثير للقلق إلى حد كبير، ما يتعلق باعتقال فوزه فالح ومعاملتها ومحاكمتها من أبعاد أخرى. فقد أمضت فوزه فالح 35 يوماً رهن الاحتجاز لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد اعتقالها في 4 مايو/أيار 2005 (25/3/1426). ويخالف احتجازها هناك المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 1981 والذي ينهى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من توقيف واستجواب المشتبهين في مراكز الهيئة. وأكدت في تمييزها أنها تعرضت للضرب أثناء الاستجواب، وذكرت اسم أحد المسؤولين بالمحافظة. وجاء في التمييز أنها فقدت الوعي أثناء إحدى نوبات الضرب وتم علاجها في المستشفى. وأكدت أن زميلاتها من المحتجزات قمن بتضميد جراحها. وتحدثت هيومن رايتس ووتش مع أحد قرائبها اللذين سُمح له بزيارتها للمرة الأولى بعد عشرين يوماً من الاحتجاز لدى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إثر علاجها في المستشفى، وقال إنه شاهد علامات من أثر الضرب على ظهرها. ويعد هذا دليلاً هاماً يشير إلى انتزاع الاعتراف منها بالإكراه.

وانتهك المحققون والقضاة حقوق فوزه فالح الخاصة بإجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادلة بأساليب أخرى أيضاً. فقد وكلت أسرتها المحامي عبد الله السهيمي، لكن رئيس لجنة التحقيق رفض مقابلته لها حين طلب رؤيتها بعد أيام قليلة من اعتقالها. والمادة 64 من نظام الإجراءات الجزائية جاء فيها: " للمتهم حق الاستعانة بوكيل أو محام لحضور التحقيق"، ونصت المادة 70 على أنه: "ليس للمحقق أن يعزل المتهم عن وكيله أو محاميه الحاضر معه في أثناء التحقيق". كما أن فوزه فالح الأمية التي لا تعرف القراءة أو الكتابة، تزعم أنه لم يتم قراءة اعترافها عليها، ورغم هذا تم إجبارها على أن تبصم بإصبعها على الاعتراف كعلامة على صحة الاعتراف.

جلالة الملك، إن هيومن رايتس ووتش منزعجة للغاية من هذا الإجهاض للعدالة والذي وقع في قضية فوزه فالح. وتدعوكم هيومن رايتس ووتش لأن توقفوا فوراً كل إجراءات إعدامها وإلغاء الحكم الصادر بحقها وتوجيه المسؤولين لأن يحفظوا وقائع القضية؛ لكي يبادر الادعاء بإتخاذ إجراءات تأديبية ضد القضاة الذين انتهكوا حقها الذي يكفله لها كل من القانون السعودي والقانون الدولي.

مع بالغ التقدير والاحترام،

كريستوف ويلكي
باحث
هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.