Skip to main content

رسالة هيومن رايتس ووتش إلى أعضاء مجلس السلم والأمن

ترحب هيومن رايتس ووتش بسعي مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي إلى تحقيق حل سلمي لأزمة حقوق الإنسان في إقليم دارفور في السودان.

لكن المنظمة تشعر بقلقٍ كبير إزاء الوضع في دارفور وفي شرق تشاد بسبب اشتداد الأعمال القتالية بين الحكومة السودانية والفصائل المتمردة التي لم توقع على اتفاقية السلام. كما أن هشاشة الوضع على الحدود السودانية التشادية، وتزايد هجمات الميليشيا على المدنيين في البلدين، وتردي الوضع الأمني بالنسبة لعمال الإغاثة الإنسانية في المنطقة، تمثل كلها أسباباً جديةً للقلق.

وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المبذولة، يشهد الوضع تدهوراً واضحاً بحيث صار لابد من إبداء مزيدٍ من الاهتمام بحماية المدنيين ووضع حدٍّ لانتهاكات حقوق الإنسان في دارفور وتشاد. وفي ضوء المناقشات الأخيرة التي جرت في أديس أبابا يوم 16 نوفمبر/تشرين الثاني وتناولت قوة الاتحاد الأفريقي ـ الأمم المتحدة المختلطة من أجل دارفور، وفي ضوء الاجتماع المرتقب لمجلس السلم والأمن في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، نود انتهاز الفرصة لطرح بعض النقاط التي تثير قلقنا.

وكما نبين أدناه، تدعو هيومن رايتس ووتش مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي إلى إدانة الهجمات العشوائية التي تنفذها الحكومة السودانية ضد المدنيين، وغيرها من جرائم الحرب، وكذلك ضمان أن تمتلك أية قوة حماية دولية معززة تفويضاً وقدرةً كافيين لتوفير حمايةٍ فعالة للمدنيين في دارفور وعلى امتداد الحدود التشادية السودانية. إضافةً إلى دعوة كلٍّ من حكومتي تشاد والسودان إلى القبول الفوري بانتشار هذه القوة الدولية.

الأزمة في دارفور
منذ فبراير/شباط 2003 كما تعلمون، قُتل ما لا يقل عن 200000 دارفوري نتيجةً للنزاع المسلح بين الحكومة السودانية والجماعات المتمردة المسلحة في دارفور. وقد تميزت عمليات الحكومة لمكافحة التمرد بارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية و"التطهير العرقي". وأصبح أربعة ملايين إنسان (أي أكثر من نصف سكان دارفور) يعتمدون الآن على شكلٍ من أشكال المساعدات الغذائية الدولية. كما أجبرت هجمات قوات الحكومة السودانية وميليشيا الجانجاويد، وما ترتكبه من قتلٍ واغتصاب، مليوني شخص على الالتجاء إلى المخيمات. لكن هذه المخيمات نفسها غير آمنة؛ ويستمر القتل والاغتصاب من غير هوادة.

وقد بلغت قدرة المدنيين على الاستفادة من المساعدات الإنسانية أدنى مستوياتها منذ فترة 2003 – 2004. فبعد مقتل 13 من عمال الإغاثة الإنسانية في دارفور منذ مايو/أيار من هذا العام، وبعد أن صارت معظم أرجاء المنطقة شديدة الخطورة على المسافرين براً بفعل استمرار مهاجمة القوافل الإنسانية وعامليها، باتت المنظمات الإنسانية غير قادرةٍ على الوصول إلى مئات ألوف الأشخاص المحتاجين إلى المساعدة في مختلف أنحاء دارفور.

إن الوضع الراهن في دارفور يتطلب فعلاً عاجلاً. ففي الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني فقط، وثّقت هيومن رايتس ووتش غارات جوية عشوائية قامت بها الحكومة السودانية ضد المدنيين في السودان وفي قرى حدودية تشادية واستهدفت نقاط المياه في دارفور التي لا غنى عنها لبقاء المدنيين المشردين ومواشيهم. كما صوّر باحثونا مواقع القصف في تشاد وجمعوا شهادات شهود العيان على هذه الهجمات.

وتتواصل الهجمات القاتلة التي تشنها جماعات الميليشيا المعروفة بارتباطها مع الحكومة السودانية، ولا يقتصر ذلك على الهجمات الأخيرة التي استهدفت جبل مون وسيربا بغرب دارفور وحققت فيها قوة الاتحاد الأفريقي في دارفور. وليس قتل الأطفال (ومن بينهم ما لا يقل عن 26 طفلاً قتلوا في جبل مون) ولا النهب المنهجي للماشية إلا أدلةٌ صارخة على استمرار استهداف المدنيين وممتلكاتهم على نحوٍ ينتهك القانون الإنساني الدولي.

وقد لاحظ كثيرٌ من المراقبين الدوليين تحشّد الميليشيات في تيني وجنينة وغيرها من البلدات الرئيسية على الحدود التشادية السودانية. إن هذه الفصائل من حركات التمرد في دارفور التي لم توقع اتفاقية السلام في دارفور في مايو/أيار 2005 تشارك في الأعمال القتالية، وهي تقوّض بذلك اتفاق وقف إطلاق النار. وينتاب هيومن رايتس ووتش أشد القلق حول أثر الأعمال القتالية على المدنيين لأن الحكومة السودانية عادت إلى سياسة تسليح ونشر الميليشيات الإثنية واستخدام طائراتها الحربية لشن غاراتٍ عشوائية على غرار ما فعلته في حملتها العسكرية عامي 2003 – 2004 والتي أسفرت عن مقتل آلاف المدنيين.

التدهور الأمني في شرق تشاد وفي المنطقة الحدودية المضطربة
تعاني منطقة شرق تشاد آثار أزمة دارفور من خلال الحدود التي لا ضابط لها. وقد صارت المنطقة الحدودية موطناً لعددٍ كبيرٍ من الجماعات المسلحة. وتواصل كلٌّ من الحكومتين السودانية والتشادية دعم أعمال التمرد الموجهة ضد بعضهما البعض في نجامينا والخرطوم، وذلك ما ينزل أفدح الأضرار بالمدنيين في المنطقة ويخرق اتفاقية طرابلس الموقعة في 8 فبراير/شباط 2006، كما يخرق حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591. وسوف تجلب هذه الدورة الجديدة من الحرب الجارية بالوكالة بين تشاد والسودان مزيداً من المعاناة إلى المدنيين في غرب دارفور وشرق تشاد.

كما تعمل الإغارات العسكرية داخل تشاد من قبل متمردي دارفور والميليشيات التي تساندها الحكومة السودانية على حدٍّ سواء على إيقاظ ومفاقمة التوترات الإثنية الكامنة فيما بين الجماعات التشادية نفسها. وتوثق الأبحاث التي أجرتها هيومن رايتس ووتش خلال العام الفائت تزايد الإساءات والصدامات في أنحاء مختلفة من شرق تشاد، وهو ما يرتبط معظمه باشتداد الاستقطاب السياسي والإثني للجماعات التشادية المتأثرة بقربها من النزاع الدائر في دارفور.

وفي الآونة الأخيرة صارت الجماعات التشادية من البدو العرب وجماعات غير عربية كثيرة كالداجو والمورو، وكلها في جنوب شرق تشاد، متورطةً في دوامة من الصراعات المحلية لا تنفك تتزايد عنفاً. ورغم أن الحوادث المحلية تعمل على حفز هذه الصراعات، إلا أنها لم تنشأ من فراغٍ أصلاً. وقد تحدث كثير من المتورطين من الجانبين عن الكراهية المتبادلة وعن التشكك النابع من الجماعات الإثنية في دارفور؛ كما ترافقت الهجمات مع إطلاق اتهامات متبادلة بوجود صلات مع متمردي دارفور أو مع ميليشيا الجانجاويد العربية.

وتتحمل الحكومة التشادية مسئولية واضحة عن تفاقم الأزمة في دارفور، وذلك من خلال دعمها للجماعات المتمردة أو تغاضيها عن وجودها في شرق تشاد. وقد وثقت هيومن رايتس ووتش الانتهاكات التي ارتكبها متمردو دارفور، بما في ذلك التجنيد الإجباري للأطفال المقيمين في مخيمات اللاجئين وإساءة معاملتهم. كما تمثل سياسة الحكومة السودانية المستمرة في دعم وتسليح الميليشيات الإثنية والجماعات التشادية المتمردة مساهمة كبيرة في استمرار هذه الكارثة المتفاقمة هولاً.

يشهد كل يوم يمر زيادة تفاقم أزمة حقوق الإنسان في دارفور وشرق تشاد؛ كما أن المدنيين في حاجة لحماية عاجلة. إننا نرحب بالقرار الذي اتخذه مجلس السلم والأمن في اجتماعه الثالث والستين المنعقد في نيويورك في 20 سبتمبر/أيلول والذي قضى بتمديد مهمة قوة بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان العاملة في دارفور حتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2006. كما أننا متفائلون لما يبديه المجتمع الدولي من توحد في مساندة الجهود التي شهدها اجتماع أديس أبابا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من أجل الخروج بنتيجة من المفاوضات الجارية حول انتشار قوة دولية معززة في دارفور.

الحاجة إلى قوة حماية دولية معززة
تشعر هيومن رايتس ووتش بالقلق من أن الاقتراح الحالي بإنشاء قوة مشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة وفقاً لما خرج بعه اجتماع أديس أبابا في 16 نوفمبر/تشرين الثاني لا يفي باحتياجات سكان دارفور أو جيرانهم التشاديين إلى قوة حماية دولية قوية تستطيع ضمان سلامتهم ومنع تعرضهم إلى هجمات جديدة وتستطيع فرض رقابة فعلية على الحدود المتوترة. ونحن قلقون أيضاً من مواصلة الحكومة السودانية تأخير وإضعاف أي انتشار دولي في المنطقة، وخاصةً في ضوء مواصلتها تصعيد الهجوم في دارفور.

وليس من شأن مزيد من تدهور البيئة الأمنية وعدم كفاية الانتشار الدولي في دارفور وعلى طول الحدود التشادية إلا أن يجلب مزيداً من الموت لمدنيي دارفور وتشاد، إضافةً إلى زيادة المخاطر التي تتهدد الاستقرار الإقليمي. ومن المهم جداً أن تعمد الأطراف الدولية، بما فيها مصر وليبيا وغيرهما من أعضاء الاتحاد الأفريقي والحكومات المعنية إلى الاتحاد لمساندة الجهود الرامية إلى حماية أهل دارفور وتشاد والضغط على حكومتي السودان وتشاد لقبول الانتشار الدولي في دارفور وعلى امتداد الحدود بين البلدين كما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1706.

وتدعو هيومن رايتس ووتش أعضاء مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي الى دراسة التوصيات التالية وإدراجها ضمن نتائج اجتماعات المجلس في 29 نوفمبر/تشرين الثاني:
• دعوة الحكومة السودانية إلى وقف الهجمات العسكرية الجوية كما ورد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1591 (وكما يقول تقرير هيئة خبراء الأمم المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول 2006)، وكذلك وقف دعمها (بالمال والسلاح أساساً) لميليشيا الجانجاويد وغيرها من الجماعات شبه العسكرية؛
• مطالبة الحكومة السودانية بالموافقة الفورية على انتشار القوة الدولية المعززة في دارفور وعلى امتداد الحدود التشادية لمنع تعرض المدنيين إلى هجمات جديدة ولمراقبة حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة والمساعدة في تنفيذ اتفاقية طرابلس التي توصلت إليها حكومتا تشاد والسودان في فبراير/شباط 2006؛
• الطلب من قوة الاتحاد الأفريقي ومن أية قوة معززة تابعة للأمم المتحدة مراقبة التزام الحكومة السودانية بالكف عن تقديم الدعم للميليشيات الإثنية، سواء كانت تعمل كوحدات مساعدة أو كوحدات شبه عسكرية، وكذلك نزع سلاح ميليشيا الجانجاويد وحلّها واعتقال قادتها وأفرادها المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب وتقديمهم إلى العدالة وفقاً لنص المادتين 6 و7 من قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1554 (2004)؛
• قبول الدعم الخارجي وتوسيع مهمة قوة الاتحاد الأفريقي الموجودة حالياً ريثما يجري نشر القوة الدولية المعززة؛ والدعوة خاصةً إلى تقديم المساعدة الدولية من أجل نشر كمية إضافية من القوات والعتاد والدعم اللوجستي، وغير ذلك من الموارد، وذلك من جانب قوات متعددة الجنسيات، وبحيث يشمل الدعم المقدم طائرات هليكوبتر هجومية لتعزيز قدرة قوة الاتحاد الأفريقي على حماية المدنيين؛
• العمل على ضمان احتواء أية قوة دولية معززة العناصر التالية كحد أدنى:
o تفويضاً بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك استخدام كافة الوسائل اللازمة لحماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية؛
o كمية كافية من الجنود والمعدات القتالية للانتشار في المناطق الريفية وحماية حركة المدنيين وتأمين الطرق الرئيسية من أجل المدنيين والقوافل الإنسانية ومراقبة حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة، وخاصةً على امتداد الحدود التشادية؛
o قدرة على الرد السريع بما تتضمنه من دعم جوي كافٍ، وذلك لردع حوادث العنف ضد المدنيين والرد عليها؛
o دعم تطبيق العقوبات الموجهة التي تقررها الأمم المتحدة، بما في ذلك منع السفر وتجميد الأصول المالية (بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1591 الصادر في 29 مارس/آذار 2005) بحق كبار مسئولي الحكومة السودانية إذا ما واصلوا رفض القبول بنشر قوة دولية معززة في دارفور. ودعم العقوبات المفروضة على الأشخاص، أو الجماعات، المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان أو عن خرق اتفاقية السلام في دارفور الموقعة في مايو/أيار 2006.
• مساندة توسيع حظر الأسلحة الذي تضمنه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1591 بحيث يشمل كل السودان، وليس دارفور فقط؛ وكذلك إنشاء آلية لمراقبته وإنفاذه في مختلف أرجاء البلاد؛
• دعوة حكومة تشاد إلى الكف عن مساندة متمردي دارفور والقبول بنشر القوة الدولية المعززة في دارفور وعلى امتداد الحدود مع تشاد لمنع وقوع هجمات جديدة ضد المدنيين ولمراقبة حظر الأسلحة الحالي والمساعدة على تنفيذ اتفاقية طرابلس الموقعة بين تشاد والسودان في فبراير/شباط 2006.

إن هيومن رايتس ووتش تثمن عالياً التدابير التي اتخذها مجلس السلم والأمن حتى الآن من أجل التخفيف من أزمة حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية في دارفور. لكننا، وفي نفس الوقت، ندعوكم إلى تطبيق التوصيات الواردة أعلاه والتي نقدمها آملين أن تساهم في تحقيق تحسن أمني على المدى القريب والمدى البعيد معاً، وفي حماية المدنيين في دارفور وتشاد والمنطقة عامةً.

مع وافر الاحترام

بيتر تاكيرامبودي
المدير التنفيذي لقسم أفريقيا
هيومن رايتس ووتش

Your tax deductible gift can help stop human rights violations and save lives around the world.

المنطقة/البلد

الأكثر مشاهدة